داعمو الإسلام السياسي يبحثون عن تهدئة والتنظيم الدولي يصعّد، والقرضاوي ينسحب من رئاسة الاتحاد وانتخاب الريسوني خلفا له.

تنحى رجل الدين المثير للجدل يوسف القرضاوي عن رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تاركا المجال لتكهنات باتجاه الدول الداعمة لتيار الإسلام السياسي في المنطقة نحو تهدئة على أمل تغيير معادلة الصراع في المنطقة.

ويأتي تنحي القرضاوي من رئاسة الاتحاد بعد يوم واحد من دعوة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى إنهاء المقاطعة المفروضة على بلاده من قبل السعودية ومصر والإمارات والبحرين منذ شهر يونيو 2017.

وينهي ابتعاد القرضاوي عن المشهد مؤقتا سنوات طويلة من الشحن الفقهي والعقائدي القائم على تغذية أفكار الجماعات المتطرفة، وهو مسار قاده القرضاوي.

وأسفرت الانتخابات التي أجراها الاتحاد، الأربعاء، خلال اجتماع الجمعية العمومية التي عقدها في أسطنبول، عن فوز المغربي أحمد الريسوني رئيسا للاتحاد خلفا للقرضاوي.

والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو بمثابة هيئة شرعية وفقهية مرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. ويضم الاتحاد رجال دين فقط، ولا يحمل صفة تنفيذية أو سياسية، بينما يتولى التنظيم الدولي، الذي تقبع قيادته في لندن، التخطيط والتنظيم والتوجيه في القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية.

ويقول الاتحاد إنه يضم حاليا عشرات الآلاف من علماء المسلمين، من 57 دولة إسلامية، إضافة إلى بلدان أفريقية وأوروبية ومن أميركا الشمالية واللاتينية، كما يركز اهتمامه على الأقليات والمجموعات الإسلامية خارج مجال بلدانه الأعضاء.

ويجمع الاتحاد تحت مظلته، اليوم، أكثر من 50 هيئة علمائية إسلامية، من الدول الإسلامية وغيرها.

وقبل توليه رئاسة الاتحاد، شغل أحمد الريسوني مناصب دعوية مهمة، بينها رئيس رابطة المستقبل الإسلامي بالمغرب منذ 1994 حتى اندماجها مع حركة “الإصلاح والتجديد” وتشكيل حركة “التوحيد والإصلاح” في أغسطس 1996 (الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي بالمغرب).

وكان الريسوني أول رئيس لحركة “التوحيد والإصلاح”، في الفترة ما بين 1996 و2003. كما انتخب أول رئيس لرابطةعلماء أهل السنة، ولاحقا نائبا لرئيس الاتحاد العـالمي لعلمـاء المسلمين في 7 ديسمبر 2013.

ويبلغ القرضاوي من العمر 92 عاما، ويعاني من مشكلات صحية متفاقمة، أثرت على مستوى تركيزه وقدرته على الخطابة التي كان يتميز بها من قبل. كما ظهر القرضاوي في عدة مناسبات عامة مؤخرا مهزوزا وغير قادر على التعبير عن أفكاره.

ينهي ابتعاد القرضاوي عن المشهد سنوات طويلة من الشحن الفقهي والعقائدي القائم على تغذية أفكار الجماعات المتطرفة

فعلى سبيل المثال، لم يتذكر القرضاوي اسم الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل قبل أكثر من شهر داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، ودعاه بـ“شفيق”، قبل أن يصحح له الحاضرون الاسم. كما ظهرت علامات المرض وكبر السن عليه بشكل واضح، وهو ما جعله ينطق الكلمات بصعوبة بالغة.

وكان طبيعيا أن تقود كل هذه الأعراض إلى امتناع القرضاوي عن التجديد لنفسه في منصب رئيس الاتحاد مرة أخرى. ويقول مراقبون لأنشطة الاتحاد إن ابتعاد القرضاوي عن الرئاسة لا يعني انتهاء إرثه الذي بات عاملا رئيسيا في تشكيل شخصية الاتحاد وسياساته.

كما يشكل تنحي القرضاوي أيضا مقدمة لفصل الاتحاد عن أنشطة ومهام أفرع تنظيم الإخوان المسلمين بشكل عام. فطوال سنوات أعقبت تأسيسه، حرص قادة أفرع التنظيم في العالم العربي وفي الغرب على عدم لعب الاتحاد دورا كبيرا وحاسما في رسم النهج السياسي الذي يتبناه الإخوان المسلمون. وبقيت سلطة اتخاذ القرار منحصرة بشكل كبير في يد قادة التنظيم الدولي ومكتب إرشاد الجماعة الأم في مصر.

وبعد الإطاحة بالرئيس المنتمي إلى الإخوان المسلمين محمد مرسي عام 2013، واعتقال جميع قادة التنظيم المقيمين في مصر، انتقلت سلطة القرار إلى قادة الخارج، خصوصا في فرعي بريطانيا وتركيا.

ويأتي انسحاب القرضاوي من المشهد تدريجيا في وقت يعزز فيه تنظيم الإخوان المسلمين من أنشطته على الأرض. وبعد مقتل خاشقجي بداية أكتوبر الماضي، لعب الإخوان دورا كبيرا في حرب العلاقات العامة التي قادتها حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصحف كبرى على السعودية، مستهدفة شخص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

كما أظهر فرع الإخوان المسلمين في الأردن استعدادا متزايدا لحشد الشارع اعتراضا على قانون الضريبة وقرارات أخرى لزعزعة استقرار الحكومة. وحوّل حزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن) ولاءاته بشكل كبير، واليوم تصب معظم سياساته في صالح ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران، خصوصا بعد طرد قطر من التحالف العربي الداعم للشرعية عام 2017.

وتسببت حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي (وهو شخصية تحظى بنفوذ كبير في التنظيم الدولي للإخوان – فرع بريطانيا) في دخول تونس في أزمة سياسية ودستورية كبرى، بعدما دعمت تغييرا حكوميا واسعا أجراه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ضد رغبة الرئيس الباجي قائد السبسي، وهو ما وصف من قبل متابعين بـ“الانقلاب”.

وطوال أشهر، مازالت سياسات حركة حماس الفلسطينية تعزز الانقسام عبر الإصرار على السيطرة على قطاع غزة، ورفض شروط المصالحة الوطنية.

ويقول متخصصون في شؤون الجماعات الإسلامية إن انسحاب القرضاوي سيقلص كثيرا من دور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بعدما اقترن، منذ تأسيسه عام 2004، باسم القرضاوي وتحول تدريجيا إلى منبر وصورة له.

 

صحيفة العرب

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية