لو سألنا أنفسنا: ما الذي صنعته الحوثية بالشعب اليمني ؟ وما الذي قدمته له ؟

 

سنجد أنها لم تدمر مؤسسات الدولة وتنقلب على القانون والدستور وتُغير وتقصي الموظفين والمسؤولين فحسب، وإنما غيرت وشقلبت وضع الأسرة اليمنية وسحقتها بقطع رواتب الموظفين ومصادر دخلهم مُعرّضة حياة الملايين للجوع والقهر والحرمان.

 

ولم تكتفِ بذلك بل سعت وتسعى جاهدة لتغير طبيعة الأشياء كالثقافة والثوابت والأعراف والقيم والمبادئ والسلوكيات والمفاهيم والهوية.

 

لاحظوا مثلاً كيف تعمل بكل الوسائل إلى تغيير صنعاء العاصمة من عاصمة الروح ومدينة الروح والجمال والتنوع والتعايش، إلى مدينة للأشباح والخرافة واللون الطائفي، العنصري الواحد.!

 

وكيف حولت قطاعا واحدا كالتعليم من قطاع تنويري، معرفي إلى قطاع تجهيلي، تضليلي ظلامي.. انظروا فقط، إلى المدارس كيف حالها اليوم.. وستجدونها إما رُكاما وأطلالا، أو مواقع عسكرية ومتارس، أو مراكز اعتقال وإذلال للناس لا تختلف كثيرا عن معسكرات الاعتقال لدى النازية..

 

والحال نفسه ينطبق على بيوت الله التي حولتها إلى أماكن لمضغ القات وصناعة المتفجرات وحبك المؤامرات والدسائس والخُدع ونشر الأباطيل وسموم الكراهية وتوزيع صكوك الوطنية ومفاتيح الجنة وأبواب العرش.

 

وقبل أن تفكروا بقضايا وأشياء أخرى، دمرتها كمشاريع التنمية ومؤسسة القضاء قد يعتبرها البعض ثانوية في ظل هذا الموت والعودة الإجبارية والمظفرة للخلف ستة قرون على الأقل، تعالوا ألقوا نظرة سريعة إلى المستشفيات والمراكز الصحية وستكتشفون إنها صارت ما بين مغلقة وبائسة، أو ساحات تدريب للمقاتلين وإلقاء المحاضرات الطائفية، أو مخازن للأسلحة.. جولة واحدة بداخلها أو جوارها كافية بتخديرك عن الإحساس والشعور لمدة سنة كاملة.

 

وغير بعيد الجامعات التي أصبحت عبارة عن ثكنات وقاعات عرض وجداريات ملطخة بشعارات الصرخة وهيهات منّا الذلّة ومقولات طغاة عصر الحوثية اللعين كحسين وخليفته وغيرهم من المشعوذين والقتلة.. وما بقي من قاعات دراسية فائضة عن حاجة العنصرية وثقافة الاستنقاع والتخلف والاستعباد وشعارات الموت والعبثية، فقد تم تحويلها إلى كتاتيب تُلقِن طلابنا وطالباتنا المغلوبين على أمرهم دروسا في عشق التضحية والجهاد لأجل دم حسين كربلاء وحسين مران، من خلال ملازم الهالك المؤسس التي تفوح منها أنتن روائح الكراهية والسلالية والتزييف والدجل.

 

إذن، نحن أمام مأساة حقيقية مركبة ألف ألف مرة، نعيش فصولها الرهيبة، الإرهابية، الترهيبية، التدميرية على كافة المستويات، صابرين محتسبين نكتوي بنارها التي تلسع الجميع وتسوقهم إلى جوفها أو إلى التغرُّب والمنفى.

 

لا أدري هل اقتنع الجميع وامتلك من الشجاعة ما يكفي للقول وبصوت واحد ومرتفع: "الحوثية آلة دمار فتاكة تُدمر كل شيء وتنتقم من كل شيء محاربتها وجهادها أقدس الأشياء في حياتنا؟"

لا أدري سأترك لكم وللتاريخ الإجابة.

 

فقط سأضيف وأقول: كل ما نعلمه ونشاهده، هو أن كل ما له صلة بالوطنية وحقوق الإنسان والدولة المدنية والحرية والإسلام الوسطي والهوية هو عدو لدود لمليشيات وفكر ومشروع الحوثي، الذي يعتبر هدف التخلُّص منه في أقرب وقت ممكن واجب.

 

أما الغدر فسمة رئيسية من سمات الحوثية وكذلك نقض العهود والمواثيق واستخدام سياسة الذئاب والضباع في الانفراد بالضحية والإجهاز عليها في وقت واحد وهي حية.. وسياسة فرق تسد..

 

مثلا تجدها تتحالف مع بعضنا للتخلص من بعضنا الآخر، تتحالف مع يدك اليمنى لتقطع ساعدك الأيسر وأنت باسم ومتوكل على يد أبوعلي الحاكم الذي خدعك و"دبج" بها على صدره.

 

وتتحالف مع الأب لتقتل الابن، وتتحالف مع إيران لتدمير العرب ومع أميركا لتمزيق المنطقة وتغرقها بالطائفية، ومع الشيطان ضد الرحمة ومع الشر ضد الخير، ومع الظلام ضد النور، ومع الفوضى ضد الاستقرار، ومع قطاع الطرق واللصوص ضد المصلحين والخيرين، ومع القبيلة هذه ضد القبيلة تلك، ومع   الجهلة ضد المتعلمين.

 

حتى المرأة اليمنية الأصيلة المحافظة لم تسلم منها.. شوهتها بالزينبيات وجرائمهن، وشوهت الشباب بالجهاد والجبهات.. والآثار باللجان الشعبية وبصاق الشمة.

 

تُجند شريحة من المواطنين ضد الدولة وتُجند الدولة وسلاحها ضد الشرائح الأخرى من المجتمع.

 

تُهزم في هذه المدينة أو القرية فتسارع لتفجير عماراتها السكنية ومدارسها ومساجدها وجسورها وطرقاتها ومن ثم تفر، ومن مواقعها البعيدة هناك تُمطر من كانت تحكمهم بالنار والحديد بقذائف المدفعية والهاون التي إن سلموا منها لقفتهم ما قد زرعته لهم من ألغام.

 

هاتوا لي حجرة واحدة بنتها الحوثية أو وضعتها حتى حماية كي لا يسقط هذا الجدار أو ذاك. لقد حطمت وشطبت كل شيء.

 

لقد نهبت وسلبت كل شيء، نهبت البنوك وشركات الصرافة، نهبت التجار والمغتربين ورواتب الموظفين، نهبت شركات الاتصالات والمؤسسات الإيرادية الحكومية والخاصة والمختلطة، وجعلت أصحاب رؤوس الأموال يسحبون أموالهم إلى الخارج.

 

تخطف الأبرياء من الشوارع والطرقات وتساوم أهلهم لإطلاق سراحهم مقابل ملايين الريالات.

 

قطّعت أوصال المحافظات والطرقات والمدن. مزّقت الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي. كذبت على الله سبحانه وتعالى ونبينا الأمين محمد (ص). حرّفت الدين والنصوص وجيرتها لمصلحتها. أفقرت البلاد واخافت الناس وتاجرت بدمائهم .

 

قمعت الحريات وضيقت على المواطنين وانتهكت حقوقهم.. وأخفت آلاف الأبرياء في سجونها ودفعت بالملايين للفرار من بطشها ومآسيها لدرجة أن شعبا بكامله أمسى مشتتا وضائعا وخائر القوى تتوزعه منافي الداخل والخارج.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية