هناك من لم يكن منتشيا بأجواء السخرية من خطابات زعيم الحوثيين، بينها خطابه قبل الأخير في ذكرى مقتل أخيه، بقدر ما ساوره خوف مقلق على مستقبل البلاد، فيما لو قدر لهذه الأمية العقلية والأخلاقية أن تواصل مسيرة شق طريقها في حياة اليمنيين.
 
لا يفرق الحوثي وأركاناته بين دردشات مجالس القات الخاصة وبين الحديث في وسائل إعلام جماهيرية صارت مع الثورة الفضائية والاتصالية اليوم نافذة عالمية وليس فقط محلية كما كانت إلى الثمانينيات.
 
لا مشكلة عند الرجل في أن يقدم نفسه وأخاه وكيلين حصريين لله وامتدادا طبيعيا لوحي النبوة، ولا خجل في أن ينقلب بذات الخطاب خبيرا في الحرب البيولوجية المعاصرة، ومحللا للعلاقات والسياسات الدولية، وحتى ناصحا حكيما في برنامج "سلامتك"، كما كان في خطابه الأخير خبيرا اقتصاديا من الطراز الأول لدرجة يعتقد معها أن إيرادات الزكاة التي لا تتجاوز عشرين مليار ريال يمكنها أن تكون بديلا للمساعدات الإنسانية التي تصل في السنة إلى ثلاثة مليارات دولار ما يعادل أكثر من ألف و700 مليار ريال، وفي حين يفتقر لشهادة إعدادية في التعليم النظامي برز كأحد أعمدة الفلسفات التعليمية، الرجل يعيش نرجسيته الخاصة بكل تشعباتها، ويحيا حالة غرام مهووس مع نفسه، ولا غرابة في ذلك، فهكذا يفعل الجهل بأهله.
 
مصدر الهلع والحسرة معا، أن خطابات الحوثي وأقواله لها أذان مصغية من قبل قطيع يعتقد مؤمنا بأن كلام الرجل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قطيع يمني، للأسف، متذبذب الهوية والموقف يتدثر بأي شاردة وواردة تجيئ بها أمواج الزمان، وإن كان رديئا.
 
قطيع تعرض لعمليات غسل أدمغه جعلته مستعدا، عقلا ونفسا، لتقبل كل ما يصدر عن سيده الكاهن وحاشيته، مهما كان القول تافها أو مضللا أو ساذجا لا يحتاج تفنيده لحِجاج معقد.
 
نماذج مشتتة نورد بعضها كقرائن على عمق ومدى التغييب العقلي للقطيع الموالي للكاهن:
 
في عرف القطيع تتحول "كورونا" إلى مؤامرة كونية، والكوليرا إلى "هدية أمريكية" لبلد أنهكه الحوثي، مجتمعا ودولة، اقتصادا وسياسة، فزاده ضعفا على ضعف قرون، يعجز معه كدولة على تمثيل خطورة تجعله هدفا لمؤامرات عالمية.
 
وطن أحاله الكاهن ساحة مغامرة وميدان مبارزة إيراني تحت مقولة "محور المقاومة" دون أن يتساءل أفراد القطيع عن عجز، من يعتقدون أنها قائدة المحور في دفع الصفعات الإسرائيلية المتلاحقة لقواتها في سوريا، والتي ردت على قتل الرجل الثاني، فعليا، في نظامها بعملية صاروخية مسرحية لم تجرح حتى كلب حراسة.
 
يتحدث عن "الشعب اليمني العظيم" في وقت يبني عقيدته الدينية وإيديولوجيته السياسية على أساس نظرة دونية لليمنيين وتعالٍ عليهم بانتماء سلالي –مزعوم بطبيعة الحال- تقع جذوره خارج حدود الأرض اليمنية.
 
يستمر حاخاماته بصمّ الآذان عن دور القبائل اليمنية في حين أهان القيم القبلية والمدنية على السواء وأسلم القبائل لأطفاله السلاليين جعالة يمضغونها ثم يبصقونها متى وكيف وأينما شاءوا، وما قطينة والقهالي وقشيرة ببعيد.
 
يحرص وزبانيته على ذكر الجيش واللجان في عمليات قتل اليمنيين، بينما سرح عشرات الآلاف من الضباط والجنود، وقطع مرتبات آخرين مقابل استمتاع أطفال لجانه اللا شعبية بمخصصات "الرعاية" وغيرها من المسميات المالية، عبث بالأنظمة العسكرية حتى صار أطفال الدورات الأسبوعية والشهرية برتب عقداء وعمداء ولواءات، وحتى بات المشاط مشيرا.
 
يتبجح بمفاهيم الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية المتماسكة، في حين أطفال السلالة وهوامش صعدة يلتهمون مفاصل الدولة والسلطة، قطاعيا وجغرافيا، مدنيا وعسكريا، وفي وقت يُجري سلوكيات انفصالية كحظر التعامل بطبعة عملة صادرة بموجب قانون، دون حياء من ثروات لزبانيته تخلّقت من تجارة عملات ما يصفه بـ"العدو" الأمريكي والسعودي والإماراتي، وكإصدار قوانين تشرخ الوحدة التشريعية للبلد، ولا خجل في أن تبدأ مقدماتها بعبارة "بعد الاطلاع على دستور الجمهورية اليمنية".
 
يدخل أفراد القطيع البقالات يشترون قطع شوكلاته فاخرة مستوردة بتورايخ إنتاج لا تتعدى شهورا ويخرجون مرددين أقوال سيدهم ومعاونيه عن حصار خانق لليمن.
 
لا تتحرك فيه ذرات إحساس وهو يخطب عن العزة والكرامة لليمنيين في حين مرغ كرامتهم في وحل الفقر المدقع والعوز، ودفع بأغلبهم إلى حافة المجاعة لولا مساعدات عبر منظمات إنسانية دولية تمولها دول على رأسها ما يصفها بدول "العدوان" السعودي والإماراتي، وليس بينها "الحليف والشقيق والصديق" الإيراني. "لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل".

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية