إعلان التحالف العربي وقفا شاملا لإطلاق النار في اليمن، يصب باتجاه توق اليمنيين إلى رؤية هذه الحرب وقد أسدلت ستارها، وبنفس الوقت لا يريدون بقاء أبواب الحروب المستقبلية مفتوحة على مصاريعها، وبمعنى آخر لا يرغبون في إحراق خمس سنوات عجاف من الدماء والدمار بالعودة إلى مشهد ما بعد سبتمبر 2014 بزعامة القوة المسلحة الحوثية، بصلفها الهمجي ونزعتها الطائفية، وكأن شيئا لم يكن، فليس في مصلحة اليمن ولا الإقليم خروج الحوثيين أقوياء من هذه الحرب.
 
بطبيعة الحال، غالبا ما تترافق الحروب بمفاوضات، سرية وعلنية، وبتدخل وسطاء، وبفترات تهدئة، ودائما ما تنتهي الحروب الحديثة بوثائق سلام أو استسلام، لكن التسوية الشاملة والنهائية مع الحالة الحوثية تبدو ضربا من خيال سياسي ينفخ في قربة مثقوبة ويعبر عن قصور في استيعاب الظاهرة الحوثية، أقله في جانب الطبيعة الإيديولوجية والسياسية لها.
 
الحوثية تتحرك بإيديولوجية هجينة تجمع بين عقيدة سلبية حيال العرب والمخالفين المذهبيين، مسكونة بدافع الثأر والانتقام في معركة وهمية استضعفت، حسب الأساس التاريخي للمعتقد الإيديولوجي، أغلب المساحة الزمنية والجغرافية للسلالة الفاطمية، المزعومة، وبين نزعة ثورية اكتسبتها من عقيدة "الخروج" المتطرفة محليا ومبادئ تصدير الثورة ونصرة "المستضعفين" المستوردة من عقيدة ولاية الفقيه في نسختها الخمينية، ليمتزج كل ذلك سياسيا مع نشأة الحركة كامتداد وأداة إيرانية، ونتاج لجهود تصدير الثورة.
 
ربما نزل الحوثيون، بسبب الرفض الوطني والإقليمي، عن أجندة إعادة إنتاج نسخة من نظام الحكم الإيراني تحت سلطة الولي الفقيه، إلى الاكتفاء باستنساخ وضعية حزب الله في لبنان، كدولة داخل الدولة، تشارك في العملية السياسية مع المكونات الأخرى مع احتفاظها بقوة عسكرية، بشرية وتسليحية، متفوقة على كل الآخرين بما فيهم الجيش الرسمي، وقابلة للاستخدام وقت الحاجة السياسية، ولعل هذ هو الحد الأدنى للمطالب السياسية الحوثية فيما لو تمت التسوية مع الحركة لا هزيمتها.
 
في اليمن، أكثر من لبنان، ستتلاحم التركيبة القبلية الطائفية للحوثية، المدعومة بقوة السلاح، في الاستمرار بفرض المسار الطائفي على المجتمع والدولة اليمنية القادمة، لأن قادة الحركة ومستشاريهم يدركون أن عملية سياسية بدون تسوية الأرضية الثقافية للمجتمع، التي ساعدت الأئمة في الماضي، لن تعطيهم الكثير عبر انتخابات ديمقراطية وعمليات منافسة مدنية، ما سيبقي اليمن في حالة طويلة من اللا استقرار، وربما ستتجدد حروب داخلية مع كل دورة انتخابية سياسية، كما حدث مع الاشتراكي في صيف 1994.
 
قد يؤمل الإقليم في إمكانية ترويض الحركة الحوثية لضمان ولو الحد الأدنى من المصالح مع اليمن، أو التعويل على عامل الزمن في التخفيف من الحدة الثورية والطائفية، مثلما حصل من تحول أحزاب شيوعية من استراتيجية الثورة في التعاطي السياسي إلى البراجماتية السياسية النفعية.
 
 يبدو هذا ممكنا لكن ليس مع إيران ووكلائها الذين يدينون بإيديولوجية مسارها العدائي موجه للعرب والمسلمين المخالفين، فإيران انتهجت الطريق البراجماتي في نفس الاتجاه الأمريكي بأفغانستان والعراق في الثمانينيات، ثم بعد أحداث 11 سبتمبر، وتماشت مع روسيا في سوريا، وخدمت إسرائيل في إضعاف الجبهة العربية، بالمقابل استمرت على مسار الثوروية الدائمة وتصديرها إلى المنطقة العربية.
 
طبيعة الارتباط الإيديولوجي والسياسي للحركة الحوثية بولاية الفقيه الأم ستمثل إشكالية سياسية وأمنية على المملكة العربية السعودية، بالأخص، تفوق ما يمثله حزب الله اللبناني بمراحل لعوامل ، كأمثلة، متصلة بالحدود الطويلة بين البلدين، وكمّ المغتربين اليمنيين، وقرب معقل الحوثيين من التجمعات الشيعية الإسماعيلية والارتباطات القبلية بها في نجران، يضاف إليها مركزية "التقية" الدينية والسياسية في الإيديولوجية الإيرانية وتعبيراتها العربية، والتي دل عليها في اليمن أسلوب التنصل والالتفاف الحوثي المستمر على الاتفاقات مع المكونات اليمنية، ما يخلق شكا جديا في إمكانية نجاح تسوية طويلة الأمد مع الحوثيين، سواء في الداخل أو مع الخارج.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية