منذ الصباح الباكر ونحن مع الرمعي، ذهبنا نحوه ، جلسنا بمعيته ساعات وساعات ، أخذناه ، على هدى حرس الشرف ، عزفت الخطوات لحن النهايات بشرف البدايات ، البزات والأزياء ، القمصان والبناطل ، التهامي والمخاوي والصنعائي والتعزي والإبي؛ كلهم شيعوا أحمد الرمعي إلى مثواه الأخير في مدينة المخا.

 
ونحن ندفن جثمان الرمعي مزجنا بجدارة عرق المقاومة الوطنية بهذه الأرض ، نحن نسكب الدماء هنا ، وندفن هامات الرجال ، نؤثث بالبكاء مسيرة النضال هنا ، نسكب الدمع والدم ، الحياة والموت ، الخوداني والموسمي والصليحي والرمعي وغيرهم المئات هنا ، هنا حيث تتشكل أوردة جديدة للبقاء والفناء ، للنضال بأبهى رجاله يا هؤلاء ، نحن هنا أحياء ، ولنا هنا رمعي،نحن هنا أموات ولنا هنا رمعي،نحن هنا بقدرة البحر على البقاء وهل رأيتم البحر يترك مكانه .. !
 
عندما ذهبنا لأخذه ، تمعنت في جثمانه المسجى براية البلاد وبكيت ، بكيت من الداخل ، تشكل بكاي إلى دوائر ملتهبة وتفاقمت أحزاني، هل هذا هو الرمعي القدير الفكه الضحوك،كنت أمر بجانب زملائي وأسألهم واحدا واحدا : هل هذا أحمد الرمعي ؟ يجاوبني كل على حدة بتنهيدة، لكأنهم اتفقوا على عدم الكلام إلا بتنهيدة وما جدوى الكلام في حضرة سيد الكلام وان كان ميتا ،الصمت أولى،وأعلى ، وأجل : فقط تنهيدة
تنهيدة تشرح حجم الوجع 
 
بعد عودتنا من مقبرة الشهداء، كنت في مجلس المركز الإعلامي ، الساعة الحادية عشرة ظهرا ، وحولي زملاء عشرة ، أحدهم متكئ ، الآخر مضطجع ، وسوانا يقرفص ، والبعض نسي أن له حق القعود ، ظلوا هكذا بقاماتهم ، وفجأة أتى أحدهم وسألنا هل هناك صورة للأستاذ أحمد ؟ كان سؤاله هو اللحظة الحاسمة في تخيل فقدان الرمعي أكثر من رؤيتي جثمانه ودفنه ، صرخت بهم كلهم : معقول ، هل تحول أحمد الرمعي كله ، بطوله وعرضه ، إلى صورة ؟
 
كان رد الزبيدي مفجعا اكثر من سؤالي،خار كثور من كل جوارحه : اااااااااااااححح، أو لا ادري كيف أكتبها ، حسرته التي زفر بها لا أبجدية تستطيع القبض عليها ، أبدا، لكأن ثارت براكين الأرض دفعة واحدة، ولكأن الحوت الذي يحمل هذه الكرة ، في الأساطير القديمة ، أنهكه التعب وسقط ، وسقطنا ، إلى أسفل ،بموت أحمد الرمعي.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية