سلسلة حلقات تنشرها وكالة 2 ديسمبر، من ملف بعنوان (خرافة الولاية)، وفيما يلي الحلقة الرابعة..

 

بداية تجدر الإشارة إلى أن اقتران أو وصول فرد أو مجموعة إلى منطقة الاصطفاء، كما يترتب عليه اشتراطات والتزامات إضافية – مقارنة بمن هم خارج منطقة الاصطفاء – فإنهم وبمقتضى العدالة الإلهية تضاف لهم – مقابل الالتزامات الإضافية - المزيد من الفضيلة والتفضيل بما يمكن تسميته مجازا متوالية التفضيل. وبهذا المعنى يقول الله تعالى "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " العنكبوت 69، ويقول "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ " محمد 17، ويقول في قصة أهل الكهف، وهم جماعة " إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى " الكهف 13، ويقول "وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى" مريم 76، ويقول " فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا" التوبة 124.

 

خصوصية بني إسرائيل: إن مجرد كثرة ورود قصص بني إسرائيل، واحتلالهم مساحة كبيرة من القرآن الكريم يؤشر على وضعيتهم الخاصة كمادة بشرية فيها الكثير مما يمكن أن يمثل عبرة وعظة لغيرهم، لاسيما للمسلمين. وتتكشف هذه الخصوصية من دواعي عديدة مكنتهم من الوصول كجماعة إلى دائرة التفضيل.

 

تبدأ الملحمة اليهودية بإبراهيم عليه السلام، مرورا بقصة الذبح لأحد أولاده، وقصة يوسف وإخوته، وصولا إلى موسى، ثم داوود وسليمان، وانتهاء بعيسى، وباستقراء التاريخ اليهودي من مصادر مختلفة يجد المرء صعوبة في إيجاد ذات الدراما والاستمرارية في سجلات التاريخ البشري لأقوام آخرين.

 

بالتأكيد هناك شعوب تعرضت للغزو وتدمير مدنها وقتل رجالها وأسرهم، وسبي نسائهم وأطفالهم، بل كان هذا الوضع القلق سمة معظم العصور التاريخية المدونة، إلا أنها لم تكن رغم ذلك بنفس المدى المتنوع والمستمر للمسيرة التاريخية اليهودية، ولو اقتصرنا فقط على ما ورد في القرآن بشأنهم لناحية أبرز معالم حياتهم لرأينا كيف تناقض تاريخهم ما بين اضطهاد استثنائي في عهد موسى، وفرعون، وملك ومجد استثنائي تجلى في ملك سليمان. ومن فرار شعب بكامله ومطاردته من فرعون. ثم إلى أسره بالكامل على يد نبوخذ نصر البابلي كما جاء في كتب التاريخ.

 

ومن الملاحظ أن صيغة التسمية في القرآن "بني إسرائيل" بدأ ترديدها كما يتبين من السياق القرآني في قصة موسى وفرعون بكثرة وما تلاها. وبالعودة إلى بعض التواريخ بين وصول يعقوب وأبنائه لمصر وطرد أحفاده في عهد موسى نجد أن هذا الشعب المنحدر عرقيا من يعقوب (إسرائيل) بن إسحاق بن إبراهيم تمكن عبر قرون من تكوين ثقافة خاصة قوامها الدين والعرق، حتى أصبح الدين الإسرائيلي علما على الشعب الإسرائيلي، رغم اعتناق غير إسرائيليين للدين اليهودي.

 

وبقدر ما مكنت هذه الثقافة المركبة من حفظ هوية خاصة باليهود بقدر ما جعلت منهم فئة معزولة عن محيطهم، ما أعطى تاريخهم سمة خاصة ذات طابع نضالي، وجعلتهم أشد تمسكا والتزاما بالدين – مقارنة بغيرهم- ما أهّلهم لاستحقاق وسام التفضيل الإلهي فقال تعالى " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" البقرة 47،  وقال وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" الدخان 32.

 

الحلقة الرابعة من ملف تنشره وكالة 2 ديسمبر
لقراءة الحلقة الأولى.. "الأسطورة السخيفة"
لقراءة الحلقة الثانية.. "معايير الأفضلية القرآنية"
لقراءة الحلقة الثالثة.. "ألفاظ التفضيل في القرآن"

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية