كان بإمكان فيصل حمود، الوصول من منطقة الحوبان إلى مركز الغسيل الكلوي في هيئة مستشفى الثورة العام بتعز، خلال دقائق معدودة؛ لكن بفعل الحصار الغاشم من قِبل مليشيا الحوثي على المدينة، صارت الطريق طويلة، وتحتاج إلى ساعات ثمان، يقطعها هذا المريض للوصول إلى الوجهة ذاتها، ما تسبب بتداعيات إنسانية كبيرة على مئات المرضى والمدنيين.
 
يتحدث فيصل بحرقة وأسى لـ"2 ديسمبر": "الحوثيون أغلقوا المنافذ، كنت أدخل من جولة القصر، ربع ساعة وقدنا وسط المدينة، والتكاليف قليلة، تصل ألفي ريال.. اليوم أخرج فجر من البيت، أسافر 8 ساعات دخول، وثمان أخرى من أجل العودة إلى المنزل.. أدفع عشرين ألف حق المواصلات، بالإضافة إلى تعب ومعاناة الطريق.. الواحد يفضل الموت على عذاب طريق الأقروض".
 
رحلتان في الأسبوع، يقطعها هذا الرجل، برفقة ولده محمد، حيث تقدَّر المسافة التي يقطعها الأب وابنه في كل مرة ذهابًا وإيابًا بأكثر من مائة كيلو متر، ابتداء من منطقة الحوبان، التي يسيطر عليها الحوثيون، مرورًا بطريق الأقروض، وصولًا إلى المدينة مركز المحافظة، 
وهناك يجد المريض المأوى، أو السكن أولى الصعوبات التي تقف أمامه، لذا يلجآن إلى البقاء عند أحد الأقارب إن كان لديه أقارب، وكثيرًا ما يشكو فيصل غلاء الأسعار داخل المدينة.
 
يضيف: "في كل دورة علاج، أو غسيل أحتاج 500 سعودي، لأن أسعار الطعام والعلاج مرتفعة.. حتى المواصلات يدفع الراكب أضعافًا، كنت أركب باص بمائة ريال، أما الآن أدفع عشرة آلاف.. هذا هو الحال طالما المدينة صارت مدينتين، والفلوس عملتين.. بالنهاية المواطن ضحية الحرب والحصار".
 
منافذ مغلقة لمدينة مكلومة
 
جولة القصر، كلابة، عصيفرة، صالة، غراب، وحذران.. ستة منافذ على أطراف مدينة تعز أغلقتها مليشيا الحوثي بوجه أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، الأمر الذي فاقم من معاناة المدنيين، وجعلهم تحت الحصار المتعمد، بل وحول المدينة إلى سجن كبير، وتسبب بإحداث مأساة إنسانية خصوصًا مع تدهور الأوضاع المعيشية والصحية.
 
ولكسر هذا الحصار، لجأ المدنيون إلى استحداث طرق بديلة.. يقطعون مسافات طويلة، ويسلكون طرقًا وعرة، تمر بوديان ومرتفعات جبلية كطريق "الأقروض"، وطريق "جبل حبشي".. منفذان يعتبران شريانُا رئيسيًا من المدينة وإليها.. هكذا صارت الأسفار متباعدة، وتضاعفت عدد ساعات السفر، وأجور النقل، وتكاليف المسافرين بين ضفتي مدينة مكلومة، وهذا ما أثقل كاهل المدنيين.
 
يتابع فيصل: "الطريق متعبة، ووعرة، والناس حالتهم حالة، وظروفهم تعبانة.. ناس عندهم أمراض.. المهم نقول لا حول ولا قوة، نتمنى من الله، ومن الناس العقلاء الواعين أن ينهوا الحرب".
 
طريق الموت
 
في طريق هي أقرب إلى الموت، يتحول السفر إلى مغامرة خطرة، إذ لا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن حوادث مرورية، ناهيك عن مركبات تعطلت، وأخرى تعرضت للسقوط بما ومن فيها، والضحايا كثيرون.. هكذا يؤكد حمزة حمود، سائق شاحنة: "طريق الأقروض يعاني فيها المسافرون من ازدحام مروري، حوادث سير، وشاحنات محملة، والطريق وعرة.. من قبل كنا نسافر للحوبان دقائق، أما اليوم نسافر من ست إلى ثماني ساعات، وأغلب الوقت تتعطل سيارة أو سقطت شاحنة، ويجلس المسافر يومين أو ثلاثة أيام".
 
ورقة ضغط وانتقام
 
أمام فشل الجهود الأممية وتعنت مليشيا الحوثي، بل ورفضها القاطع فتح الطرقات الرئيسية إلى تعز؛ بات الجميع يدرك أن مدينتهم وحياتهم ورقة بيد أقذر عصابة عرفها اليمن في تاريخه القديم والحديث؛ حيث ترى في حصار تعز ورقة ضغط سياسية تراهن عليها، والأفدح من ذلك أن المليشيا تعمل على معاقبة أبناء هذه المحافظة لموقفهم الوطني ولكونهم أول من وقف في وجه تمددها وأذاقوها الأمرين.
 
يقول حقوقيون إن حصار تعز يُعد عقابًا جماعيًا للمدنيين والسكان في المدينة بمختلف الفئات، فالحوثي لم يكتفِ بإغلاق المنافذ والطرق البرية، إنما لا تزال قناصة المليشيا والقذائف العشوائية تحاصر الحركة اليومية، وتتسبب بقتل الكثيرين.
 
ما يقوم به الحوثيون في تعز، يخالف المبادئ والاتفاقات الدولية، التي تحظر أساليب العقاب الجماعي، وتمنع تهديد أو إرهاب المدنيين غير المشاركين في العمليات القتالية.. كما أن هذه البروتوكولات تُجرّم قيام أطراف الصراع بأي انتهاكات ضد هؤلاء المدنيين.. الأمر الذي يدين الحوثيين بسلسلة طويلة من الانتهاكات في تعز، ومختلف مدن البلاد.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية