ينظر الحوثيون إلى الشعب نظرة دونية واحتقار، ويتعاملون معهم كأنهم جهلة لدرجة أنه ينبغي على المليشيا الكهنوتية الطائفية السلالية أن تعلم الشعب "قليل الأدب" الآداب والأخلاق عبر ما أسمتها "مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل في الوحدات العامة"، التي أقرتها مؤخرًا.
 
والغريب أن المليشيا التي تفرض على الموظفين هذه الواجبات، تسلبهم أبسط حقوقهم منذ ثماني سنوات وهو حق الراتب، لدرجة أن الموظف تحت سلطة الحوثي بات يحلم حتى أن يكون عاملًا بالسخرة، يعمل مقابل ما يكفيه للأكل والشرب؛ لكن هذا أيضًا صار حلمًا بعيد المنال.
 
هي، إذن، وثيقة صادرة عن سلطة تفرض على الشعب واجباته وفقًا لرؤيتها، ولا تمنحه بالمقابل أبسط حقوقه المتمثلة بحق الحياة، وهنا يتجلى المعنى الحقيقي للكهنوت الملازم لهذه العصابة الإجرامية؛ فالحوثيون عبر مدونة السلوك الوظيفي يسعون لفرض الوصاية الدينية على موظفي الدولة، كما أن هذه المدونة تأتي في سياق التوجه الحوثي لمأسسة المذهب الشيعي في اليمن كمذهب يقوم على مبدأ الولاية والاصطفاء للبيت الهاشمي، وقد تحدثت المدونة عن ذلك صراحة من خلال دعوتها للالتزام بمبدأ الولاية لله عز وجل ورسوله والذين آمنوا، وذلك بالاتباع الصادق والعملي في الموقف والنظرة والتوجه، على حد ما ورد فيها.
 
وتتجلى الوصاية الدينية والمذهبية على وجه التحديد في المرتكزات الأساسية للمدونة والتي ورد من ضمنها القرآن الكريم والهدي النبوي وعهد الإمام علي لمالك الأشتر، ومحاضرات المدعو عبدالملك الحوثي، بالإضافة إلى ما يسمى بالهوية الإيمانية والآداب والأخلاق الإسلامية، وهي مفاهيم فضفاضة يتم تفسيرها وفقًا لما تريده المليشيا الإرهابية.
 
والحوثيون عبر هذه المدونة يريدون استثمار الوظيفة العامة لصالحهم، فبعد أن فرضت- خلال السنوات الماضية- ما يسمى بالدورات الثقافية، فها هي اليوم تقر ذلك رسميًا عبر هذه المدونة التي تطالب الموظفين بـ "حمل الروح الثورية والمشاركة في إحياء المناسبات الدينية والوطنية"، وهي المناسبات المذهبية والطائفية التي فرضتها المليشيا كيوم الغدير ويوم الصرخة والمولد النبوي وذكرى استشهاد الإمام زيد، وكذا ذكرى الانقلاب المشؤوم على الدولة وغيرها من المناسبات.
 
وإذا كانت مليشيا الحوثي قد فرضت الدورات الثقافية على موظفي مؤسسات الدولة المختلفة، فهم اليوم وعبر هذه المدونة يلزمون الموظف بـ"السعي المستمر للارتقاء الإيماني من خلال التفاعل الجاد مع الدورات الثقافية والبرامج التربوية".
 
ويبقى الأخطر هو تحويل الوظيفة العامة إلى مؤسسة للتحشيد العسكري لصالح المليشيا الإرهابية التي دعت الموظفين في مدونتها إلى "تبني المواقف الواضحة من أعداء البلد والأمة والاشتراك بفاعلية في أنشطة التعبئة العامة".
 
إن المتتبع لمسيرة المليشيا الإرهابية التابعة لإيران، يدرك جيدًا أن ما أُسميت مدونة السلوك الوظيفي ليست سوى لائحة تفسيرية للوثيقة الفكرية للحوثيين التي تحتكر تمثيل ما هو "زيدي" بدعوى اصطفائية آل البيت، وبالتالي احتكار تمثيل اليمنيين في المناطق التي يشيع فيها المذهب الزيدي، ومن ثم احتكار تمثيل اليمنيين انطلاقًا من مزاعم "الأحقية الإلهية".
 
وبالمجمل، فإن مدونة السلوك تشكل خطرًا على الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، وتؤسس لصراعات سببها تسييس وتوظيف الوظيفة العامة لصالح المليشيا الانقلابية المتلبسة للدين 
 
ويبقى أمام الشعب أن يختار طريقه، ويقرر مصيره؛ إما بالذل والخضوع لمدونة العبودية وللمليشيا الصادرة عنها، أو رفع راية العصيان وقول "لا" في وجه تلك المليشيا التي تريد فرض أوهام الحق الإلهي بالحكم.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية