يتجلى للمتأمل الفطن أن السيرة الوجودية لمليشيا الحوثي الإرهابية تثبت حالة من التأزم والارتباك، وأنها تضيق ذرعاً بهويتها الخرساء وسلوكها المشين، وهذا الأمر يقلقها يوماً بعد آخر؛ إذ ترى نفسها عاجزة عن إثبات هويتها أو إحلالها بديلاً لهوية الأرض والإنسان في اليمن، ما عزز جهدها المبذول في التفكير بشتى الطرق والوسائل والإمكانات المتاحة لديها كي تحظى أفكارها وهويتها بقابلية يمنية أو حماس شعبي، فهي تدرك أنها مجرد رغوة وجِدت على حين غرة في سطح الواقع اليمني، ويستحيل أن تتكرس تلك الصيغة الهوياتية كأسلوب حياة ونمط تفكير بين الجماهير التي تمتلك كل مقومات الهوية والاعتزاز والتاريخ والأصالة.
 
وهذه النقطة تُعد خطراً تستشعرها الجماعة الحوثية بعمق وتشكل تهديداً صريحاً لها، لأنها تدرك برهبة وتوجس أنها بين كماشة هويتها الخرساء وسلوكها المنبوذ، وسيظل هذا حالها إلى الأبد، مهما بالغت في ترويع المجتمع وتدخلت في شؤون حياته، وفرضت نهجها بقوة السلاح ومنطق القوة، فستبقى حتماً مجرد جماعة دينية عنصرية فاشية رجعية كهنوتية، لا تنتمي لا للأرض ولا للإنسان، ولا تمت بِصِلة لليمن، كونها خارج الزمان والمكان، وخارج المنطق والحقيقة، غارقة في الوهم والغطرسة، ومتعفنة فكراً وسلوكاً، ومثبتة تبعيتها الفارسية وعمالتها الخارجية على الدوام.
 
وبقراءة خاطفة لحاضر هذه المليشيا، سنجد أنها مبنية على هوية بائسة، حيث عملت على استحداث سلوكيات شتى تعتقد أنها عبرها ستحس بالأمان وتصبح ملمحاً يمنياً وجزءاً أصيلاً من هوية اليمن؛ لكن الأغرب من ذلك أنها كلما أقدمت على خطوة، زاد النفور منها، وبلغت كراهيتها الحد الأقصى، مهما أحيت شعائر دينية وابتكرت أعياداً سلالية، ومارست الطقوس الهجينة لرموز تاريخها البائد، منذ مئات السنين، الطقوس ذاتها التي عفا عليها الزمن، وكانت السبب وراء تواشج كل اليمنيين وتمسكهم المستميت بتاريخهم وكرامتهم، وكلما انصدمت المليشيا من ردة الفعل الجمعية تجاهها، سارعت إلى ابتكار طريقة أخرى تنفُذ من خلالها إلى الوجدان الجمعي اليمني، فقد تطفلت على التعليم والمناهج، والأعياد الوطنية، وقامت بتوطيد أقدامها في تأسيس أندية وصائية سياسية وتعليمية وقضائية، حاشرة نفسها في كل شيء لتفاجأ أنها لا شيء بالنسبة لليمنيين، وأنها خاسرة أمام اليمن هوية وسلوكاً، ولا يمكن أن تنتصر على تاريخ عريض من المجد، وعشق أسطوري للحرية، وأن زمن الخرافة ولّى، ولم تعُد ثقافة الشعوذة والدجل والغباء تُجدي يمنياً، وأن العنف عمره ما يحقق مكسباً لأحد، فالشعب تذوق طعم الحرية وسرى مفعولها في أعماقه، فهي منفذه الوحيد في البقاء.
 
ومن جانب إيجابي، فإن الحوثية كجماعة عنصرية بهويتها الدخيلة وتخلفها السلوكي قد بعثت اليقظة الوطنية لدى كل الأطياف، وأحيت الضمير الإنساني والأخلاقي عند العامة والخاصة، فوحدت الآراء، وعززت اليقين بهمجيتها وعجرفتها، وأصبحت حقيقتها جلية بأنها العدو الأول والأخير لكل يمني حر، ليس من لحظة بروزها إلى السطح، وإنما على امتداد تاريخها الوحشي وتاريخ أسلافها البائدين، ولذا فقد غاصت أقلام الكتاب والمفكرين والباحثين والمثقفين في أعماق التاريخ، تبحث عن تاريخها الأسود وضلالها الدفين الذي أذاق اليمن صنوف القهر والظلم والرجعية، وهذا النشاط الثقافي والحراك الفكري الدؤوب والمكثف يثبت ملياً الصورة المضمرة لهذه السلالة، التي حاولت أن تتمظهر بمبادئها الدينية وتتزين بقيم التسامح والعدل؛ لكن سرعان ما تعرى سلوكها وبانت سوءتها الشيطانية الناقمة من اليمن، حيث لم يعد لها من طريق للتغرير والخداع، فأوراقها تتكشف كل يوم، وليس هناك من ثقة أو أمل منها مطلقاً.
 
وقد دأبت الحوثية، لأكثر من سبع سنين، على تدمير العملية التعليمية في المدارس والجامعات في مناطق سيطرتها سراً وعلانية، ليقينها بأن التعليم هو التهديد المرعب لها، فحرصها في الغالب يتركز على خلق مجتمع جاهل وأجيال عمياء وعقول تسلم بكل خرافاتها، فلا تنشط الخرافات والأوهام إلا في بيئة خصبة من الجهل والتخلف والأمية، وبدون وجود هذه البيئة ستموت هويتها وتسقط، وبرغم وصايتها الجاثمة في مفاصل التعليم، فإنها تحس بالفشل الذريع في فرض هويتها الخرساء، والتحكم بالذهنية العامة لشرائح المجتمع بات أمراً غير ممكن، مهما بالغت في الفجور والقسوة والزيف.
 
وفي هذا السياق العام، فإن التمسك بهويتنا كمجتمع وتاريخنا كأمة يمنية والتمسك بكل مَواطِن نصرنا وقوتنا من دين وتاريخ وثقافة حضارية وإنسانية سيظل هو الطريق الأمثل والوسيلة الأنجح في ردع الدعوات العرقية العنصرية والممارسات الدينية البائسة والسلوكيات المجتمعية المتناحرة التي ترغب السلالة بإغراق اليمن في براثنها لتتنفس هي الصعداء، فقد عاش اليمنيون آلاف السنين في وئام وسلام، قبل تفشي هذا الورم الخبيث في الجسد اليمني.
 
فعلينا ألا نمنحهم أدنى فرصة للتسلل بهذه الأفكار الخبيثة وتسريبها إلى ثقافتنا وسلوكنا الحضاري، ووعينا الإنساني والوطني، وأن نحصن أبناءنا وأهالينا من مخاطرها، وأن نكون حذرين بقدر كبير من نتانتها وبؤسها المتربص بوجودنا ومستقبلنا وجمهوريتنا وثوابتنا الوطنية الراسخة، وألا نتغاضى أو نتجاهل مع كل ما يبدر منهم من قول أو فعل أو سلوك، وأن نكون أكبر من كل خداع وأذكى من كل تلفيق ووهم، نحن- اليمانيين- باقون وثابتون وهم إلى زوال طال الزمن أو قصر.
 
*رئيس الدائرة التنظيمية في المكتب السياسي للمقاومة الوطنية

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية