مع نهاية شهر نوفمبر 2017م، كان الأمل يحدوني مع كثير من رفاقي المختطَفين في سجون مليشيات الحوثي، في أن تنجح انتفاضة ديسمبر، في تحقيق الخلاص من مخلفات وركام الإمامة في ثوبها الإيراني، التي حشدت قضها وقضيضها ضد الشعب اليمني، ولا يمكن وصف حالة الإحباط التي داهمتنا حين بلغنا نبأ ما آلت إليه، لكنا لم نفقد الأمل في أن هذه الانتفاضة تمثل محطة مهمة في مسيرة الحركة الوطنية اليمنية على طريق الانتصار للمشروع الوطني الجامع.
 
كنا ندرك أن صحوة ضد المشروع الإمامي تتخلق بقوة، وأنها إذا لم تنجح في تحقيق هدفها الأسمى عاجلاً، فإنها ستكون قد أسهمت في مراكمة النضال الوطني، وفتحت أعين اليمنيين بصورة أكبر على خطر الإمامة على جميع اليمنيين بكل توجهاتهم السياسية والاجتماعية، وعودة اللُّحمة التي كان غيابها فرصة لتسلل الإمامة.
 
هذه الثورة، وغيرها، تبدو مماثلة للمحطات النضالية التي اجترحها اليمنيون، وصولاً إلى إشعال الثورة الأم الخالدة 26 سبتمبر، وأهمها ثورة 1948، وحركة 1955، والتي يبدو في ظاهرها الفشل، غير أنها ضربت مزاعم الإمامة وأبانت أنها عدو الشعب الأول، وربما الأوحد.
 
لقد كانت ثورة 2 ديسمبر 2017، إدراكاً واعياً لمخاطر الإمامة الكهنوتية على الجميع، وأن الشتات سيجعل من الجميع ضحية لهذا المشروع العنصري الدموي، فقد كان شعار الإمامة طوال تاريخها "نحن فقط"، ولا سبيل لوجود أحد بجانبها.
 
والحقيقة التي يجب الوقوف عليها، أن حالة شتات القوى الوطنية قد أسهم في عودة الإمامة، وتسربها في الفراغات التي تركها العمل الوطني، وعليه؛ فإن كل القوى التي تساهلت في هذه المعركة المصيرية دفعت ثمناً كبيراً.
 
وقد أدرك الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، هذا الموضوع، فجاءت ثورة ديسمبر، ودفع صالح ثمن ذلك بشجاعة، ووجّه رسالته لأنصاره بما يشبه الوصية الأخيرة، التي يجب أن تظل خارطة طريق، في المعركة لاستعادة الدولة، ووأد المشروع الإمامي السلالي، الذي لا يرى في اليمنيين إلا بيادق تضحي من أجل عصابة الكهنة، مالم فإنهم منافقون وطابور خامس يستحقون المعتقلات الوحشية أو الموت، وهو نهج إمامي ليس بجديد.
 
لقد شكلت ثورة ديسمبر، ووصية الرئيس صالح الأخيرة أرضية جديدة للنضال الوطني، تضاف إلى نضالات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، والقوى السياسية التي واجهت مليشيا الحوثي الإمامية، في أن توحد صفوفها للاضطلاع بمسؤولياتها الوطنية والتاريخية أمام الأجيال.
 
ولا يغيب عن أحد أن قوى الإمامة ومن يعمل لصالحها ما تزال تعمل على تفريق القوى الوطنية لتلعب على مساحة الخلافات، كما عملت أثناء السيطرة على صنعاء، وإذا أدركت القوى الوطنية هذه النقطة ونسقت المواقف وأجلت التباينات في النقاط الفرعية؛ فإنها ستكون قد أفقدت مخلفات الإمامة واحدة من أهم أوراقها، فالخلافات بين القوى السياسية يمكن تصنيفها بأنها خلافات إجرائية، وأن ما يجمعها أكثر بكثير مما يفرقها، لا سيما وأن الثوابت الوطنية وفي مقدمتها الجمهورية والديمقراطية والوحدة الوطنية والهوية، هي ما يحارب الجميع من أجلها.
 
وفي هذه المناسبة، نذكر أن على القوى الوطنية العمل على توثيق العلاقات بين جماهير الأحزاب المؤمنة بالجمهورية والرافضة لخرافات وأوهام الولاية والإمامة، من أجل الحفاظ على قوة المجتمع الكامنة والتي ستكون هي رافعة إنهاء هيمنة مليشيا الحوثي، وبناء وطن يتسع لجميع أبنائه، تنتهي خلافات أحزابه عند صناديق الاقتراع، والنقد البناء على صفحات الصحف، فما يتعرض له الجيل والنشء، يوجب الاستنفار والتعالي على المصالح الضيقة.
 
وتوحيد مداميك النضال الوطني تقتضي أيضاً أن نوحد قضايانا ومعركتنا، وفاءً لدماء الشهداء الذين ارتقوا في مواجهة الإمامة منذ أول طلقة في مران، وحتى اليوم، وأن نستحضر رموزنا الوطنية في سجون مليشيا الإمامة، الذين واجهوا ببسالة غطرسة الكهنة وجلاوزة الإجرام الحوثي، منتصرين لليمن، وفي مقدمتهم الأستاذ محمد قحطان وأبناء وأحفاد الرئيس صالح، وغيرهم من القيادات العسكرية والمدنية والصحفيين والناشطين، وكل ذلك يفرض علينا أن نوحد الهدف والمسار، في خط وطني يواجه الإمامة وخطرها المحدق، ومن خلفها المشروع الإيراني المعادي لليمن أرضاً وإنساناً وهوية.
 
وفي هذه الذكرى علينا أن نستلهم من ثورة 2 ديسمبر، أهمية أن نكون يمنيين فقط ومع اتفاقنا على الثوابت الأساسية حينها سنجد أن أي اختلافات لا تستحق مجرد التوقف عندها.
 
والأهم من ذلك كله، أن يكون كل أبناء اليمن على حذر من المشروع الإمامي وأذرعه الناعمة، خصوصاً حين يحاول أن يبدو للبعض كحية ناعمة الملمس، لكنها تنفث السموم، وأن وحدة اليمنيين وعزيمتهم وإرادتهم الحرة كفيلة بإنهاء حقبة سوداء طفحت فيها الإمامة على السطح.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية