لكل أمة أو شعب لحظة فارقة من التحدي والمواجهة تنتصب في الوجود، تبدو فيها المجتمعات أمام خطر وجودي وإنساني، يفرض عليها وقفة خاصة واستشعاراً استثنائياً، كون الحياة تكون على المحك، وتهديدها في أعلى مستوياته؛ مما يغير موازين النظر والرؤيا، وإعادة طريقة التفاعل والتماس مع هذا الخطر، لا سيما أن التحديات بلغت حداً لا يمكن تجاهله أو تناسيه.
 
وهذا بالفعل ما أجده ماثلاً بالنسبة لليمنيين، فهم أمام تحدٍّ وجودي بحت، يكاد أن يسحب البساط من أيديهم، ويفضي بهم إلى شاطئ الزوال والهلاك، مالم يتموضعوا بشكل مختلف، ويعيدوا تمركزهم مقابل هذه المستجدات القاصمة لبقائهم، والمقتلعة لسكينتهم وملامح هويتهم ونمط تفكيرهم وسلوكهم. لم يشهد اليمنيون عدواً أكثر قبحاً من مليشيات الكهنوت، ومكرهم المشين المتعارض شكلاً وموضوعاً مع سلوكنا وقيمنا كمجتمع عروبي عريق وحاضر في جغرافيا العروبة والهوية.
 
لقد كانت السنوات المنصرمة كفيلة بإدراك ما الذي يبدو عليه عدونا، ومن أي الزوايا ينظر من خلالها نحونا؟ وإلى أين يقتادنا بمشروعه الظلامي وغِله الإجرامي كشعب؟ فالنهايات مفتوحة، في ظل سعيه لإدراج وجودنا في غياهب الظلام والتمزق، وتفكيك نسيج المجتمع وروابطه الإنسانية التي كانت سبباً في تماسكنا وثباتنا في العقود المنصرمة حتى نسفها بنقمةٍ واجتثاث، بغية تسهيل مهمة المضغ والابتلاع.
 
ولطالما تمكنا من معرفة وتشخيص الحالة المتأزمة المحيطة بنا، فإننا سنكون قد أدركنا لتونا أول عتبة من عتبات الخطر، والوقوف مع أنفسنا للتأمل والتمحيص وتحديد الوجهة التي يجب أن نقف عليها، وإلى صف من ينبغي علينا الانحياز، والانخراط في مشروعه الوطني، كونه يسلك الدرب الذي يؤدي إلى النجاة حتماً، فهذه خطوة أخرى علينا احتسابها، وتقوية هدفنا مع الطرف الذي يملك المشروعية والقدرة في بلوغ الغايات الجمهورية، لا ذاك الذي يتخبط خبط عشواء ويغرد خارج السرب، وليس له ضوابط سياسية وأخلاقية، وما يزال منغمساً في بركان الإخفاق والحسابات الضيقة البعيدة عن آمال الشعب وتطلعاته.
 
ومن الأهمية بمكان الالتفاف خلف قيادة وطنية تملك القوة على الأرض، واستراتيجيتها هادفة لتحرير الوطن واستعادة الدولة، وخلق توازن سياسي من براثن التصدع والانشقاق الذي يغيم على حاضرنا ومستقبلنا، وكلما زاد إيغالنا في العمى السياسي والوطني، كلما استقوى علينا الإخفاق والانحطاط، وبقينا في نفس دائرة العجز والخيبة، التي تحاصرنا منذ سنوات وتبقينا بعيدين عن تحقيق أي مكسب يُذكر، أو فعل حقيقي يعيد الأمل والثقة.
 
وحيث توجد الرؤية الوطنية، سنجد أن الإرادة والعزيمة حاضرة، والخلاص قادم لا محالة، ولابد من شحذ هممنا الوطنية، وتقليص حدة العدائية والحقد تجاه ذواتنا، وفتح صفحة جديدة من التطلع بأفق رحب ورؤيا ثاقبة نابعة من هموم اللحظة وإشكالياتها، فقد آن لنا الخروج من بوتقة التشرنق والمماحكات الحزبية والسياسية وتضخم الذات، فقوتنا تكمن في مدى فهمنا المنطقي لمتطلبات اليوم وتحدياته الجسيمة، وبراعتنا في إثبات قدرتنا على مواجهاتها والنفاذ من عتمتها نحو الأمل واللُّحمة الوطنية.
 
أيها اليمانيون الجمهوريون السبتمبريون الأحرار: وحّدوا صفوفكم، وقولوا كلمتكم بصوت عالٍ وجلي، ارفعوا شعار آبائكم "الجمهورية أو الموت" الذي كان شعار النصر في حصار السبعين، وأيقونة الخلاص والمجد الجمهوري، فتاريخنا مليء بالعِبر والعِظات التي جسدها اليمنيون على مر التاريخ في مواجهة هذه السلالة النتنة، وقد كان أجدادنا المثال الأعظم في النضال والكفاح، فقد صنعوا لنا وطناً آمناً ومستقراً، فلن نخذل سيرهم البطولية وكفاحاتهم الملحمية، ونتجرع مرارة الهزيمة، فالدماء التي تجري في عروقنا هي ذاتها دماء أولئك الأبطال، شهداء الكرامة والحرية.
 
عار علينا، عار أن نخذل أبناءنا وأحفادنا والأجيال القادمة، إن نحن تهنا عن طريق الجمهورية، وتراخينا عن نجدتها وصون مجدها وكبريائها، وغرقنا في متاهة الحقد السياسي تجاه بعضنا، وفقدنا بوصلة النصر، حينها لا نستحق أن نكون يمنيين، أو وطنيين أحراراً.. هُبّوا فرادى وجماعات لمعركة وطنية شاملة نستعيد بها وجودنا، ونقضي على الخطر المتربص بوجودنا، ففي دمنا نخوة وحمية، وبحوزتنا ثقة وشموخ لا يحدها أفق ولا يشوبها شك أو ريبة.. المجد لنا والموت والخزي لأعداء الله والوطن والحياة.
 
* رئيس الدائرة التنظيمية في المكتب السياسي للمقاومة الوطنية

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية