ثمة حقيقة مطلقة برزت بعد مرور ثماني سنوات من عصر الحوثية المظلم، مفادها أن هذه النسخة الإمامية قد حققت نصراً مؤزراً في تحويل اليمن إلى موطن للموت والمقابر بصورة منقطعة النظير، لا تضاهيها أي جماعة إسلاموية على مر التاريخ؛ ففي هذا الزمن القياسي أغرقت الحوثيةُ اليمنَ في مستنقع الموت العبثي، وزجت بخيرة رجالها وشبابها في المحارق، مضحية بما يقارب مئة ألف قتيل حسب اعترافاتها الرسمية، فهذا الرقم المرعب يثير الفزع والهلع لدى كل إنسان عاقل، ويكثف جملة التساؤلات عن المستقبل الذي بلا نهاية، والقادم الذي يكاد يبتلع صورة الحياة والإنسان، ويجعل طريقه إلى الموت سهلاً للغاية، وهو الطريق المتاح أمام اليمنيين، والخدمة الجليلة التي تقدمها الحوثية للشعب، وتزينها بكل أساليب الزيف والخداع واللعب بالعقول، والتغرير بجيل إثر آخر نحو هذا المسار المريع.

وضعت هذه المليشيا الإرهابية استراتيجياتها وفقاً لثنائية الحياة/ الموت بشكل نهائي لا ثالث لهما، فكل ما يمت لفعل الحياة عملت على قطع أوردته، وتجميد بواعثه، ونسف سبله ومَواطنه؛ قطعت الرواتب وهدمت مصادر الدخل وضيّقت الخناق على التاجر والعامل والفلاح للدرجة التي أصبح فيها العثور على القوت اليومي منعدماً جداً، افتعلت الأزمات والإتاوات واختلست الجبايات بمسميات لا حصر لها، بقوة سلاحها وباسم الدولة ومؤسساتها التي تسيطر عليها، مبرزة أبشع ما لديها من قبح وعنف وجبروت للتنكيد وقهر اليمنيين بشكل يومي، نهبت أراضيهم وشردتهم حتى بات اليمن شبيهاً بوطن أشباح ونموذجاً للعصور المظلمة.

كل هذه المآسي تقود للنتيجة التي تريدها المليشيا الإرهابية، والمتمثلة في اندفاع أطياف المجتمع كوقود حرب وقطيع موت بعد أن تعثّر البقاء والعيش بأمان وشرف وكرامة، وهنا تُبرز الحوثية عضلاتها في تلميع طريق الموت والهلاك، واقتياد الشباب إلى الجبهات وغسل أدمغتهم بأفكارها العبثية، وتسميم أحاسيسهم بدوافع حماية الوطن من العدوان والدواعش وأعداء الله ورسوله وآل بيته، مدغدغة بمثل هذه الأوهام مشاعرهم، ومستغلة جهلهم وضعف إدراكهم وحياتهم البائسة التي خلقتها الجماعة في واقعهم، ليبدو الموت في سبيل الحوثية ملاذاً آمناً للنجاة من أهوال البؤس والانحراف عن تعاليم الدين وقيم الوطنية الرعناء حسب منطق الجماعة ومشروعها التدميري.

لم تكتفِ الحوثية بهذا الحد من الخداع؛ بل سخّرت وسائلها الإعلامية لبث الشائعات والصور الخارقة التي ينالها صرعاها، فتارة يظهر أحد أتباعها مدعياً أنه قُتل عدة مرات، وتارة أخرى يظهر المسؤولون منها في المقابر مهرطقين بانبعاث الروائح الزكية من قبور ضحاياها، وكثير من الأفعال "الخبلاء" التي تستغفل الآخرين بالإغراء والتزييف للوثوب في صفوها، ونيل مثل هذه الكرامات التي لا يقبلها عقل ولا منطق في هذا العصر، حتى أنها سخّرت ميزانيتها لافتتاح روضات ومقابر شاسعة في أغلب المحافظات المسيطرة عليها بشكل مخيف ينم عن الرؤية العدمية التي تنثرها الجماعة في حياة اليمنيين، وتقدمها لهم بسخاء وكرم.

يا لها من مصيبة وحقيقة مرة ومؤلمة، تفشت في أوساط المجتمع كفيروس إبادة جماعية حقنت به الإمامية الحياة والوجود اليمني بحقد تاريخي غاشم، ووهم خرافي سخيف؛ يتّمت الأطفال ورمّلت النساء، وبثت الحزن والأسى في كل منزل وقرية وحارة ومنطقة ومحافظة، كأننا أشبه بفلم هوليودي وجائحة موت لن ينجو منها أحد.

قد لا يقف المجتمع العالمي ولا يطيل النظر في مأساة اليمنيين، ويكتفي بالنظر إليها من الخارج، ويقتصر تفاعله معنا على الحماس والتنديد الناعم دون أن يتأمل سفينة الموت التي جرّت شعباً بأسره إلى المقابر ويكاد أن يتلاشى وجوده من خريطة العالم.

أيها المخدوعون بمسيرة الجهل والظلال؛ عودوا إلى رشدكم، أفيقوا من غيبوبتكم، هلّا سألتم أنفسكم يوماً ما: لماذا تقاتلون مع هذه العصابة الإجرامية المدعومة إيرانيًا؟! ما الذي جنيتموه من قتالكم مع الحوثية أنتم أو أسركم؟! ألم تتكشف لكم بعد الشعارات الخادعة التي ترددونها يومياً وتنددون بالموت لأمريكا وإسرائيل، بينما في الحقيقة تموتون أنتم وأحبتكم؟! تركتم أسركم للجوع والتشرد وذهبتم للجبهات الحوثية تقاتلون إخوانكم وأبناء جلدتكم الذين رفضوا عبوديتكم له، وهلاككم بمشروعه الواهم؟! أتصدقون أكاذيبه بأنه يدافع عن أرضكم وعرضكم وعزتكم وهو المنتهك الأكبر لحقوقكم وكرامتكم؟! جعلتم أهاليكم يساورها الندم والإحباط لأنكم خذلتموهم ورحتم مع عدوهم تموتون بلا ثمن، وأنتم اليمانيون الأعزاء، سلمتم أقداركم ومصيركم لرجال الكهوف والظلم؟!

ماذا جرى؟! بأي عقل تفكرون، وبأي منطق تنظرون لمصيركم الحوثي، أنتم من منحه القوة، وبكم تكدست معاناة شعبكم، أرواحكم تُزهق، وأسركم تُمزق وقيادات عصابتكم يكوّمون المليارات ويبنون العقارات وتزداد ثرواتهم بأرقام مهولة، وأنتم مجرد عبيد تضحون بأنفسكم لأجل من يدعون السيادة عليكم والوصاية على حياتكم؛ فإخوانكم في تعز أو في مأرب أو الضالع ليسوا أعداءكم، كنتم إلى الأمس القريب بينهم أخوّة ومودة، عشتم معهم وتعلمتم معهم وتجولتم في مدنهم وحواضرهم، واليوم صورهم الحوثي لكم بأشنع الصور والتهم، فتخليتم عن إنسانيتكم وأخلاقكم وتعاليم دينكم السمحاء لتقاتلوهم، وتقنصوا فلذات أكبادهم لماذا؟! فقد عشتم معاً لعقود تنعمون بالأمن والاستقرار واليوم تحولتم إلى قتلة ومجرمين وقطيع بلا معنى تنجرون خلف عصابة أوهمتكم بالشهادة وزينت لكم الموت بكل الطرق، فقادتكم كالبُلهاء إلى موتكم المشين.. يا للعار يا للعار مما تصنعون!!

ألم تتابعوا ما يجري في إيران، من تمرد ورفض للملالية السلالية بعد أن تجرعوا القهر أصنافاً وألواناً؛ وأنتم تدعمون الحوثية لتصبح اليمن حاضرة فارسية؟! فالحياة كما تعلمون ليست كما تصورها الحوثية؛ موت وهلاك، والإسلام ليس سلالة السفاحين على مدى الأزمان، فالحياة مليئة بالجمال والسعادة؛ فلا كرامة لكم لا في الحياة ولا في الممات إن استمر غيكم وبقيتم على حالكم، فمهما كانت خلافاتنا فهي عادة البشر نختلف سياسياً واجتماعياً لكنها لا ترتقي للصورة التي غرسها السلاليون في أعماقكم، سيلعنكم الزمان والمكان إلى الأبد مالم تكفوا وتتركوا هذه العصابة لوحدها، فهي عدوة لكم قبل أن تكون خصماً لنا وكفى.

* رئيس الدائرة التنظيمية في المكتب السياسي للمقاومة الوطنية

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية