كان المهرجون والناشطون المغفلون المقيمون في صنعاء و(اليوتيوبرات) يظنون أن الحوثي يترك مساحة للرأي ويتيح فرصاً للجميع في قول ما يشاؤون، فكان هؤلاء المغفلون ينشطون في تبني هرطقات الحوثي وترويج زيفه وخداعاته في الشأن العام والخاص وقضايا الداخل والخارج من عدوان وقطع الرواتب، وكانت السياسة الحوثية تستغل تلك التوجهات وتحفز على انتشارها بصورة أوهمت المتحمسين بأنهم في صف وخندق واحد، وما إن انحرفت تلك التوجهات وبدأت في انتقاد الوضع المشين كفساد الحوثي وتماديه في العنف، حتى كشرت المليشيات عن أنيابها، فداهمت كل صوت يعترض أو يشكك في سياستها معتقلةً من هب ودب في هذا المضمار.
 
ما حدث مؤخراً في صنعاء من اعتقال لبعض صانعي المحتوى في موقع اليوتيوب كمصطفى المومري والمصباحي وعلاو وأحمد حجر، ومحاكمتهم من قِبل المحكمة الابتدائية الجزائية المتخصصة بتهم عدة، منها إثارة الفتن وقذف رموز السلطات والتحريض ضد الجماعة، وتلك الصورة الهزلية من المرافعات الصورية التي سبق وأصدرت كثيراً من الأحكام بحق نشطاء وصحفيين وإعلاميين..
الشاهد في الموضوع أن سياسة القمع الحوثية تتوحش تدريجياً من حين لآخر ويضيق خناقها كلما دعت الحاجة لذلك، فالصوت الذي كان يخدمها في الأمس في قضية ما، بات اليوم يتجرع من نفس الكأس وبنفس النمط، بينما كان يجهل المغفلون جوهر المشروع الحوثي وسياساته القمعية، ويأملون أن يبدر منه خير أو من الممكن أن تكون المليشيات في يوم ما رجالات دولة ونظام وقانون، وهذا الأمر مستبعد حد الاستحالة؛ لأن بنية الحوثية وجيناتها السلالية متشكلة من القمع والعنف وسلب الحرية بشكل قطعي لا خلاف فيه.
 
فجماعة دينية عنصرية كالحوثية لم تتهاون حتى مع المهرجين الذين لا يشكلون خطراً عليها، وانتقادهم لها قائم على التهريج والابتذال وليسوا بذاك العمق السياسي والإعلامي المؤثر، أكثر منه ركوباً لموجة تذمر واستياء واسع صار يغطي سماء صنعاء، إلا أن هذه الجماعة لا تقبل ولا تسمح بأي شكل من الأشكال وتحت أي ظرف من الظروف، بأن يطالها اعتراض أو يُوجَّه لها انتقاد وهي على استعداد تام وتأهب كلي لاجتثاث أي صوت مستاء منها، واقتلاع جذوره، وشملت رقعة قمعها وتوحشها القاصي والداني بلا استثناء.
 
غدت صنعاء مستعمرة حوثية بامتياز تشهد كل أصناف القمع والتنكيل ومصادرة الحقوق والحريات ونهب الممتلكات العامة والخاصة، والترهيب العام والتوحش الهستيري يطال كل كائن حي في هذه العاصمة المختطفة التي تدار بسياسة الحديد والنار، ويعاقب فيها المرء على بوحه وصمته، وفكره وخياله وخروجه ودخوله، وكلما يأتي يوم تضيف الجماعة فصلاً جديداً من الانتهاك وخرق الأعراف وبث الذعر والهلع في أوساط العامة والخاصة كأنما تحاسبهم حتى على الهواء والضوء، وبودها لو تستطيع فرض وصايتها على الشهيق والزفير؛ لأن إجرامها منقطع النظير وجنونها فاق كل التوقعات ولا يمكن حصره أو تحديد مساره.
 
ومن الغباء بمكان الظن أن للقمع الحوثي حدودًا معينة أو سقفًا محددًا مهما بالغنا في تصور قبحها وهوسها المريع في التعذيب والتدمير بحق كل إنسان في مناطق سيطرتها، ولا شك عندي بأنها ستفاجئنا في الأيام القادمة بلون جديد وإدانات مبتكرة تورط من خلالها كل شخص لا تستسيغه أو لا يروق لها حتى وإن كان لم يلفظ ببنت شفة ضدها؛ لكنه وقع ضحية لمزاجها السيئ وحظه الرديء، هذا هو مسارها القادم الذي سيعم شتى البقاع والأمكنة والمحافظات المحتلة حوثياً.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية