لأول مرة في تاريخها، أحيت "الأمم المتحدة" ذكرى النكبة الفلسطينية رسميًا في مقرها في نيويورك، وفي لندن شكر "جريمي كورين" زعيم حزب العمال البريطاني السابق، المشاركين في مظاهرة فلسطينية هناك بالمناسبة، على شجاعتهم، وحثهم على التمسك بقضيتهم وضرورة أن يطرحوها أمام الجميع.

هل هو شعور بتأنيب الضمير من هذه الأطراف والهيئات الدولية، على دورها التاريخي في التسبب بهذه النكبة ذات الأبعاد الكونية؟!

لا أظن، هي مواقف شخصية عابرة، وفي كل حال لا يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء لإصلاح الأخطاء التاريخية، القضية الفلسطينية اليوم، في واقعها المحلي وأبعادها الدولية، مختلفة تمامًا عنها قبل 75 عامًا، وإن كانت تحمل نفس الروح الخالدة.

خلال خمسين عامًا من "وعد بلفور" "1898م"، عملت بريطانيا على تمكين الصهيونية عسكريًا وماديًا وبشريًا في فلسطين، ثم أعلنت عن إنهاء انتدابها عليها، بضغط من الأمم المتحدة التي كانت قد أصدرت في "1947م" قرارًا يقضي بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة كيانات: دولتين عربية وعبرية، ومناطق مقدسة تحت وصاية دولية.

رحب العبريون بهذا القرار الذي رفضه العرب، كان الصراع بين الطرفين حول القضية الفلسطينية حاصلًا منذ بداية القرن، ثم دخلا في سباق محموم لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب البريطاني من فلسطين والذي تقرر في يوم الـ15 من مايو 1948م.

قبل حلول هذا الموعد، كانت مصر والأردن والعراق وسوريا ولبنان والسعودية، قد قامت، في ظل الجامعة العربية، بإرسال جيوش للسيطرة على فلسطين، بمجرد الانسحاب البريطاني منها، فيما كانت المليشيات الصهيونية، على رأسها البلماخ والهاجاناة والأرجون والشتيرن، على أتم الاستعداد.

في اليوم السابق أعلن المجلس اليهودي الصهيوني في تل أبيب قيام دولة إسرائيل بداية من منتصف الليل، وأسفر هذا الإعلان عن اندلاع الحرب بين الطرفين، وهي حرب كانت إسرائيل أكثر استعدادًا لها، حوالي 10.000 مقاتل عربي، مقابل ما يزيد عن 100.000 مقاتل في الجهة المقابلة.

كلفت الحرب إسرائيل الكثير من الضحايا خاصة في الجبهة الأردنية، لكنها انتهت لصالحها على الصعيد الخارجي، فيما قامت في الداخل بشن حرب اجتثاث للشعب الفلسطيني، تضمنت احتلال معظم الأراضي الفلسطينية، وارتكاب عشرات المجازر وأعمال النهب وهدم القرى، وتهجير ما يزيد عن 750.000 فلسطيني إلى الشتات.

من يومها جرت في النهر دموع ودماء كثيرة، تم خلالها في السياق العربي والإسلامي، تبني القضية الفلسطينية، من قِبل أنظمة وتنظيمات كثيرة، تعاملت بها ومعها أحيانًا بأنبل قيم التضحية، كما في تجربة "عبدالناصر" كأنبل من ضحى في سبيل هذه القضية الإنسانية والقومية والوطنية العادلة.

بعد تسونامي المد الإسلامي، على حساب المد القومي، أصبحت القضية الفلسطينية أكثر عرضة لسوء التمثيل والتوظيف، أحيانًا بأسوأ طرق الابتزاز، نظام الثورة الإسلامية في إيران دمر أربع دول عربية تحت شعار استعادة القدس، دمرها تمامًا وضم ركامها تحت وصايته، بما فيها صنعاء التي كانت منذ البدء ملجأ ولسانًا ومددًا للقضية الفلسطينية.

هذه الانتهازية تسببت بجعل القضية الفلسطينية محل شك وريبة وخلاف في الأوساط العربية والإسلامية. قبل أيام شنت إسرائيل قصفًا غاشمًا على "غزة" المحاصرة، وكانت ردة فعل هذه الأوساط خافتة؛ إن أسوأ طريقة لتمييع قضية عادلة، هو التعامل بها لأغراض انتهازية.

لكن؛ رغم كل شيء، تظل هذه القضية حية في السياق الفلسطيني، والضمير العربي والعالمي، وملحة في الدفع إلى حلول عادلة، تضمن توقف الحرب على الهوية والوجود الفلسطيني، وحق العودة كقضية عادلة حاضرة في وعي ووجدان الشعب الفلسطيني الذي لا توجد قوة في العالم قادرة على انتزاع حلمه الكبير بالعودة إلى وطنه الحميم.

 

 

 

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية