يحتل التعليم أهمية كبرى في حياة الأفراد والمجتمع والدولة، وبه تبنى العقول وتحدد توجهات الأفراد وطرق تفكيرهم ودورهم مستقبلاً في بناء وتطوير بلدانهم، وهو العامل الأساسي لازدهار الأمم وتحصينها ضد الأفكار والأيديولوجيات التي تستهدف بلدانهم.
 
ويلعب التعليم دوراً هاماً وأساسياً في توثيق تاريخ الأمم وثقافاتها ويحميها من الاندثار والاستبدال بثقافات دخيلة ومستوردة تعمل بشكل ممنهج لطمس الهوية الوطنية كما هو حاصل يومنا هذا من قِبل مليشيا الحوثي ضد أبناء اليمن الجمهوري. 
 
لم تعُد سيطرة أذرع إيران في اليمن على السلطه الكارثة الوحيدة التي حلت على الشعب؛ بل الأدهى والأمر والأخطر يتمثل بالسعي الحثيث والمدروس من هذه المليشيات في زراعة أفكارها ومعتقداتها وتوجهاتها في عقول اليمنيين بجميع طوائفهم ومراحلهم العمريه، وإنه لمن الغباء أن نتساهل بتأثير وخطورة الأيديولوجية الفكرية الحوثية على المجتمع اليمني، ويجب علينا مواجهة هذ الخطر المحدق بنا وبتاريخنا الحضاري العريق. 
 
لذا؛ يجب أن ترافق القوة العسكرية والأمنية التي نمتلكها، توعية مجتمعية كبيرة تعمل على لملمة النسيج الاجتماعي والبدء بصياغة عقد جديد يقوم على أساس الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، ويمنح الموطن الحرية ويكفل حقوقه وكرامته ومشاركته في بناء دولة مدنية. ويعتبر النهوض بالوعي المجتمعي المدخل الحقيقي لتحسين الوضع الثقافي والاقتصادي للشعب. 
 
وفي سبيل البلوغ إلى غايتنا لبناء الدولة المدنية، لا بد من وجود تعاون حقيقي وصادق من قِبل منظمات المجتمع المدني والجهات المعنية والمجتمع بشكل عام، من خلال السعي الجاد والعمل المتواصل على تعزيز الولاء والهوية الوطنية، ما تكمن أهميته وفاعليته في نشر السلام والاستقرار وتحصين المجتمع ضد التطرف والإرهاب والبدء بنشر ثقافة المواطنة والديمقراطية، وإعادة ترتيب الأولويات ليصبح الانتماء للوطن هو الغاية الأسمى وفوق كل الانتماءات العائلية أو القبلية أو الطائفية أو العرقية أو الشخصية.
 
ومن هذا المنطلق، يتوجب علينا جميعاً تقديم الدعم للمشاريع والجهات التي تكرس جهودها لتطوير التعليم ونشر الثقافة السليمة في أوساط أفراد المجتمع اليمني، بهدف بناء جيل جديد واعٍ ومتعلم ومحصن وقادر على إعادة بناء اليمن في مختلف مجالات الحياة الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، جيل يحمى وطنه ضد أي مساعٍ تخريبية تهدف إلى هدمه وتهديد مكاسبه وقيمه السامية ونسيجه الاجتماعي، وبهذا الخصوص يجب الاهتمام بإعداد الفعاليات الثقافية والمراكز والمخيمات الصيفية وفق برامج ممنهجة ومدروسة، من قِبل كبار المتخصصين التربويين والمفكرين، كما يجب أن يتم التركيز عند اختيار المستهدفين بالمراكز والمخيمات الصيفية على أن تشمل كل فئات المجتمع بمختلف مستوياته، والحرص على دمج الفئات الأقل حظاً؛ المهمشة وذوي الاحتياجات الخاصة والمعنفين وغيرهم في هذه المراكز. 
 
يواجه الشعب اليمني موجة جارفة تستهدف طمس هويتنا اليمنية والعربية الأصيلة واستبدالها بهوية فارسية دخيلة علينا، هدفها إعادة أدلجة عقول أبنائنا وتعبئتها بالفكر الحوثي المتطرف، الذي يسعى في نهاية المطاف إلى تحويل أبنائنا إلى عبيد يضحون بحياتهم لأجل المشروع الفارسي، من خلال تلقين الأطفال والشباب محاضرات ودروسًا وخزعبلات الحوثي. ويقابل ذلك للأسف وجود مواطنين يمنيين تسيطر عليهم الهويات الفرعية، ويقومون بتعظيمها على حساب الهوية الوطنية حيث نجد ولاءهم إما للقبيلة والجماعة والطائفة أو للأشخاص والأحزاب، وهو ما أودى ببلدنا إلى مستنقع من الصراعات والحروب وتغليب المصالح الضيقة على المصلحه العليا للوطن، الأمر الذي نشهده منذ العام 2011م حتى يومنا هذا.
 
وضمن مخططات مليشيات الحوثي المتواصلة لاستهداف هويتنا الوطنية وطمسها، ابتكرت العديد من الأساليب التي تمكنها من تجنيد الأطفال، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والأعراف والبروتوكولات الإنسانية والدولية، التي جرمت انتهاك طفولتهم، وتجنيدهم واستغلالهم في المعارك سواء كمجندين أو في جمع المعلومات أو ارتكاب الانتهاكات الجسيمة؛ فلم تتردد جماعة الحوثي الإرهابية في تجنيد الأطفال وتسميم عقولهم بالفكر الإمامي الكهنوتي السلالي الذي يحولهم إلى عبيد يضحون بحياتهم لصالح طموحات زعيم المليشيات المدعو عبدالملك الحوثي وجماعته، عبر المحاضرات والمراكز الصيفية والمدارس وغيرها.
 
وعمل الحوثيون لتنفيذ مشاريعهم، على إنشاء دائرة خاصة تُعنى بنشر أفكارهم وتوجهاتهم تحت مسمى (دائرة المناهج التنويرية)، وهي الدائرة المختصة بإعداد المناهج الطائفية التي تمجد قيادة المليشيات وتروج لأفكارها وأيديولوجيتها المتطرفة والعنصرية، وتحرض على العنف والاقتتال والكراهية والموت. 
 
واستغلت المليشيا الحوثية المراكز الصيفية والمدارس بالمقام الأول لغرس ثقافة الموت والكراهية والمناهج الطائفية وما تسميها الصرخة، في عقول الصغار، ويتم إعداد الطلاب والمراهقين المشتركين في هذه الندوات والمحاضرات ليكونوا وقوداً للجبهات، التي لا يعود معظمهم منها، ومن عادوا تجدهم يعانون من أمراض نفسية وفقدان للقدرات العقلية والشغف بالحياة بالمجمل. 
 
وتتركز الأساليب التي اتبعتها مليشيا الحوثي للسيطرة على عقول الأطفال وصغار السن في الآتي: 
•  تغيير المناهج الدراسية، حيث أدخلت الجماعة تعديلات عديدة تسعى من خلالها لتكريس فكرة استحقاق السلالة بحكم اليمن واستغلال ثروات وممتلكات أبنائه ووجوب التبعية والتسليم لقياداتها ورموزها. 
• استغلال 15 ألف مدرسة وتحويلها إلى مراكز غسيل أدمغة ومعسكرات تجنيد. 
•  تدريب لجان مجتمعية تضم خطباء ودعاة وتربويين وعسكريين وأشخاصًا مؤثرين تابعين لها، لإقناع النشء بالفكر الحوثي وتهيئتهم نفسياً ودينياً من خلال الدروس والمحاضرات.
•  إصباغ كل انتهاكاتهم وتوجهاتهم بآيات قرآنية، وتلقينها للمستهدفين. 
•  استهداف المدرسين الشرفاء من الرافضين أن يكونوا أدوات بيدها، والزج بهم في السجن أو القتل. 
•  البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وتخصيص قنوات تعمل على زرع خرافاتهم وتوجهاتهم في عقول الأطفال، وبإشراف خبراء إيرانيين ولبنانيين. 
• المراكز الصيفية والتدريبية وما يطلق عليها بالتثقيفية، والتي تعمل دون كلل، وبدعم كبير، حيث خصصت الجماعه 350 مليون ريال في عام واحد لصالح هذه المراكز الصيفية المنتشرة في مناطق سيطرتهم، وبلغت 260 مركزاً. 
• الدورات والمحاضرات التي تخصص للأمهات؛ كون الأم هي المدرسة الأولى والمؤثر الأهم في حياة أبنائها. 
• تغيير أسماء المدارس والصروح العلمية والتي تحمل أسماء شخصيات إسلامية ورموزاً جمهورية، منهم أبطال 26 سبتمبر المجيد الذين كانوا طوق النجاة لليمنيين من الملكية الظلامية الإمامية البائسة. 
• دروس مذهبية وتحريف لمعاني القرآن والسنة، بهدف حث الأطفال والشباب على الانضمام لجبهاتها.  
• عروض قتالية للأفراد بغرض استغلال براءة الأطفال وحماسة المراهقين. 
 
وتكمن خطورة انتشار الفكر الحوثي في أنه لا يدمر حاضرنا فقط؛ بل يستهدف مستقبل اليمن وشعبه ويسعى لتجريدنا من قيمنا وعاداتنا وهويتنا، وحرمان اليمني من أن يعيش حياة كريمة وسلام في ظل دولة عادلة يسودها النظام والقانون. 
 
ويمكن مواجهة هذه الأفكار والمشاريع الهدامة الكهنوتية من خلال:
• تعزيز الهوية والولاء الوطني لدى أبنائنا، وتعريفهم بالثوابت الوطنية الموحدة، ونشرها والترويج لها. 
• تجنيب أبنائنا وتحصينهم ضد المؤثرات الفكرية السالبة والعقيمة التي تهدف إلى تجهيلهم وتدمير مستقبل اليمن من خلالهم. 
• التوعية بحقيقة فكر الحوثيين والإماميين والجماعات الدينية المتطرفة، وأهدافهم ومعتقداتهم وجرائمهم التي ارتكبوها ضد اليمن واليمنيين على مر التاريخ.
• التوعية والتجريم لانتهاكات الحوثيين ضد الأطفال (التجنيد، الدورات الثقافية، القات والشمة، الحرمان من التعليم، تحريف المناهج). 
• دعم العملية التعليمية من خلال (بناء وترميم المدارس، دعم المعلمين والمراكز التعليمية وتحسين جودة التعليم ومعالجة المشاكل والعراقيل المحيطة بها). 
• تعريف التلاميذ بالعمل التطوعي، وإشراكهم في مشاريع تدعم مجتمعاتهم الصغيرة. 
• التوجيه الإيجابي للبعد النفسي لدى الأطفال والشباب، وحماسهم، وإيجاد هدف يعملون على تحقيقه ويعتزون به. 
• التنسيق مع المنظمات الإقليمية والدولية لدعم مشاريع التعليم والمشاريع التنموية المستدامة، والعمل على تحسين الوضع الإنساني في المناطق المستهدفة. 
• إعداد برامج وكتيبات، وباستطاعتنا القول خارطة، من قِبل باحثين وأكاديميين وتربويين متخصصين يُستدل بها من جميع الجهات الحكومية والتعليمية والمجتمعية لمعرفة السبل والطرق الفاعلة التي تحد من انتشار ثقافة الإرهاب والموت والولاء الضيق، وتجنيب اليمنيين الانجرار إلى مستنقعات الكهنوت والتطرف وحمايتهم من الاستغلال لمصالح فرد أو جماعة وتغليبها على مستقبل الوطن وشعبه.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية