زرنا اليوم محطة كهرباء الطاقة الشمسية، ضج الناس من مشاكل الكهرباء، وكانت الزيارة مع العقال والوجاهات والممثلين لكل المدينة إلى حيث المحطة لمشاهدة العمل الجبار في المشروع، تحدث المهندس العراقي الأصل المشرف على المشروع عن جودته، وعن اهتمام العميد طارق به، وكيف اختار وتابع وشدد على أجود الألواح؛ هناك ٣٠ ألف لوح شمسي، تخيلوا، ٣٠ ألف لوح شمسي أقل لوح قدرته التوليدية ٦٠٠ وقليل، وهناك قاعدة صلبة بنيت وثم الاكتمال من المرحلة الثانية، وتبقى  المرحلة الثالثة 
والأخيرة.

من حق الناس المطالبة والإلحاح، خاصة في الكهرباء؛ لكن الجهود المبذولة تستحق الثناء.. قال لي أحد من حضروا معنا: "ما صدقنا أن الكهرباء فعلًا واجية (ستأتي) إلا اليوم، بايكة".

يستطيع الإعلام أن يغرر على الناس، الذين سلبتهم وسائل التواصل ولا يعطون لأنفسهم فرصة المعاينة، الذهاب والمشاهدة عياناً، لكنهم اليوم شاهدوا كل شيء وتأكدوا أن هناك مشروعًا كبيرًا وحوالي ستة آلاف قاعدة للصبيات الحاملة للقواعد الحديدية، يبقى أن تصل الألواح فقط.

مهندس الشركة المنفذة تحدث عن جهد القائد، وكيف أنه تابع وزار مقر الشركة المنفذة واختار أجود الصناعات، كلها ألمانية أوروبية، وقال بالواضح: أرجوكم لا تخذلوا الرجل، نحن نعرف كم تابع وشدد واهتم وخسر لأجل المشروع.

وجد العراقي نفسه وكأنه أكثر من الحديث، كما لو أنه من اليمن، وتدارك، حديثه قائلًا: أنا غريب عن البلاد،لكن حبيت أوضح لكم من يتعب ويخسر لأجلكم.. كان يتحدث وأرى في سحنته صدام حسين.. أرى رجال الملاحم الخالدة في العراق.. رجال الفاو.. القادسية الثانية.. شعرت بالانتماء الكبير للوطن العربي الكامل وأنا أرى العراقي يتكلم ويحاول إيصال فكرة واحدة: قفوا مع هذا الرجل، المقاوم. 

ينقص الرجل فقط أن يحمل البندقية وينضم للمقاومة، وخطرت ببالي أثناء حديثه للناس كل صور المعاناة العربية من إيران، خطرت العراق، رأيتها بملامح المهندس، خطرت لبنان وسوريا واليمن في خاطري كل حين، وأن القضية والشعور واحدان، من الفرات إلى رايات، من دجلة إلى نخلة، وكل البلاد.

وددت أن أقبله قائلًا: أرى فيك العراق، وفيك أرى دلتا النهرين، وأرى فيك، وبعينيك، حمورابي وباب بابل، وأرى بملامحك العراق الشامخ، وهو يدفن أحلام الساساني مرة وأخرى، قادسية أولى، وثانية، وأرى فيك العراق الحزين وهو ينهدم ويخسر جولته.. نحن ضحايا طاغٍ واحد يا مهندس، أيها العراقي المعلق في سماء المجد، كما أول حديقة عُلقت في العراق، يا حفيد أنكيدو.. أيها الخارج من الحدود الملتهبة بالنصر، قد تكون بغداد بلا كهرباء ولكنك هنا تضع لمستك لتضيء المخا، كما لو تضيء البصرة، كلها بلاد ضحية من تكريت إلى تعز، العدو واحد، والضحية.

وددت لو أستدعي كل شجعان هذه المعركة، الذين كانوا ذات يوم بالعراق، يسندون العراقي على دفن رستم مرة أخرى، من حيس إلى البرح مقاتلين أشداء، وضباطًا كانوا ذات يوم بمعركة عروبية في العراق الجليل، وهم الآن في الساحل.. خطر الفندم خالد مصلح في بالي، هو محب العراق الكبير، كان جنديًا يقاتل إيران في الحدود الملتهبة وعاد إلى الساحل الغربي قائدًا للجند، قائد لواء، يقاتل إيران، تذكرت بالعراقي كل شيء، وبكيت.. بكيت على الوقيعة بحقنا كشعوب عربية، كانت العراق قنديلًا سماويًا من فرط الضوء وصارت تتسول الآن الكهرباء من الجيران، إيران أطفأت النور العراقي الخالد، وكانت اليمن شعلة ضوء والآن نفرح بسبب إيران بمشروع شمسي، وبقدر الفرح والواقع الذي يحتّمه، يجب أن نستذكر الكارثة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية