من حق أي مواطن يمني، شعر باليأس من سقوط الحوثي، أو بخيبة الأمل من "حكومة الشرعية"، أن يأمل، ولو كأحلام يقظة، أن يتحول "الحوثي" مستقبلًا إلى "دولة"، ولم لا؟! ليس مهمًا أن الحوثي وصل إلى السلطة من خلال "الانقلاب"، كثير من الانقلابات كانت ناجحة.. ويمكن أن يكون الحوثي كذلك!

صحيح، كثير من الانقلابات كانت ناجحة.. لكن مشكلة الحوثي مختلفة تماماً:
أولاً: الانقلابات الناجحة كانت تمتلك مسبقاً مشاريع سياسية واقتصادية عملية دنيوية حديثة، بينما الجماعة الحوثية تمتلك مسبقاً، مشروعاَ طوباوياً كهنوتياً عنصرياً عمره 1200عام.

ثانياً: الانقلابات الناجحة كانت على السلطة، لا الدولة، بينما ما فعله "الحوثي" انقلاب على السلطة والدولة والإجماع الوطني والشعب عموماً بمؤسساته وكياناته السياسية والاجتماعية والدينية والمدنية!

ثالثاً: إن الانقلابات الناجحة، قام بها رجال دولة، بينما الانقلاب الحوثي قامت به "جماعة كهنوتية مسلحة". من السذاجة تشبيه "الرئيس الحمدي" بـ"عبدالملك الحوثي"! مثلا

هذا البند الثالث فقط يكفي للتوقف عن أي مراهنة إيجابية حول مستقبل هذه الجماعة، فبغض النظر عن عدد مشاكل "الحوثي"، وأشكالها وأنواعها وأحجامها وتجلياتها اليومية.. فهي تعود في الأصل إلى هذه المشكلة الجوهرية الماثلة، باختصار بالغ، في كونه: "جماعة".. "الجماعة" مصطلح ومفهوم اجتماعي وسياسي يعبر عن ظاهرة مناقضة للدولة، التي هي بدورها ظاهرة سياسية حديثة تتميز بالضرورة بالتالي:
أ- كيان سيادي جامع يعلو على كل التكتلات الفئوية.
الحوثي على هذا المحك كيان فئوي، لا يفتقر فقط للسمات والمظاهر الجمعية الجامعة في علاقته بالشعب وفئاته؛ بل إنه لا يريدها، ويدأب على تكريس خصوصيته الفئوية العنصرية. 
ب- الطابع المؤسسي العام، لقرارات الدولة وأدواتها التنفيذية.
يفتقر الحوثي تماماً لهذا الطابع العمومي؛ بل، على العكس، قراراته وأدواته تتم من خارج المؤسسات العامة، صاحب القرار الأول والأخير في هذه الجماعة يحكم من كهف مجهول، في حين يقبع أحد أتباعه في مؤسسة الرئاسة، كرئيس للجمهورية وهو آخر من يمتلك القرار في الجماعة، فضلاً عن الحكومة والوزارات التي يديرها مشرفون من خارج مؤسسات الدولة..
ج- الشرعية السياسية: 
الشرعية السياسية، أياً كان نوعها، لا بد أن تستند على عنصر "التراضي" بين السلطة وأكبر حد ممكن من المواطنين، بما يتضمن انتماء النظام إلى الشعب، وتمثيله- وفق ميثاق مكتوب أو ضمني- للإرادة والقيم والمصالح والتوجهات الشعبية الأكثر عمومية.
الحوثي على هذا الصعيد، غائب تماما، ليس فقط لأن غالبية الشعب اليمني لا تريده؛ بل أيضاً لأنه لا يريدها، في ظل تمسكه الوجودي بأيديولوجيته الفئوية الطائفية السلالية، كما كانت تفعل الأنظمة الإمامية البائدة، وفي كل مرة كانت تفرض نفسها استناداً فقط على السلاح والغلبة، وليست قائمة على ميثاق مكتوب أو معروف من أي نوع يعبر عن إرادة جمعية.
على الجانب العملي الوظيفي: لا يأبه الحوثي بمهام الدولة واختصاصاتها ومؤسساتها وواجباتها والتزاماتها.. وفي المقابل، يسخّر قراراته وأنشطته وإمكانياته في مهام وأنشطة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بتلك الوظائف والواجبات والالتزامات!
على سبيل المثال: بناء الاقتصاد وتلبية الحاجات المعيشية للمواطنين.. هو من أهم اختصاصات الدولة، بينما كل ما يهم الحوثي هو جباية المال، وفرض المكوس، ومراقبة أفكار الناس وعقائدهم، ومواقفهم وكلامهم والتحكم بحياتهم الشخصية!

الدولة، أيّ دولة، ملزمة بتوفير المأكل لشعبها، بينما يرى الحوثي، على سنة أجداده، أن هذه المهمة من أقدار الله "من مات جوعاً فهو شهيد، ومن عاش فهو عتيق"، وينصح الشعب بتخفيف الوجبات في اليوم من ثلاث إلى اثنتين، بحذف وجبة الغداء!

الدولة، أي دولة، ملزمة بمراقبة بطون الناس لإشباعهم، بينما الحوثي منهمك بمراقبة أعضائهم الجنسية والتناسلية، وفرض الحجاب ومنع الاختلاط حتى في القاعات الجامعية!

الدولة ملزمة بضمان توفير الملبس للشعب، بينما كل ما يهم الحوثي من هذا المطلب هو وضع معايير صارمة لأزياء الناس، وبالذات النساء، وفرضها عليهم، وكيف يلبس النساء والرجال، وحجم هذه الأزياء ونوعية ألوانها، ومحاصرة محلات الأزياء..!

الدولة، أي دولة، معنية على رأس أولوياتها بالتعليم، وتطويره والقضاء على الأمية الكتابية والتكنولوجية. بينما لا يهم الحوثي درس الطلاب أم لا؛ بل حشو رؤوس الناشئين بخرافاته الطائفية، وحشدهم في الجبهات أطفالاً ومراهقين للدفاع عن نظامه الأحفوري!

وهكذا في مختلف الجوانب وعلى كافة الأصعدة.. 
هل سيتغير هذا مستقبلاً؟!
لا يمكن، حتى على المدى البعيد للغاية.. لأسباب كامنة في قلب منظومته الدينية والطائفية والفكرية والاجتماعية والسياسية.. بحيث يمكن التنبؤ مسبقاً بكل ما سيصدر عن الحوثي من قرارات وسلوكيات؛ كونها صادرة عن هذه الخاصية الجوهرية.
هي بمثابة إعاقة عقلية وجسدية وراثية مزمنة.. كانت حاصلة ومتأصلة لدى هذه الجماعة، قبل أن تصل إلى السلطة على غرة من الزمن، وما تزال وستظل حاصلة فيها، وتنعكس بشكل كارثي على كافة توجهاتها وقراراتها وأنشطتها المختلفة.

القضية برأي الحوثي تنتمي إلى "الجينوم"، من جهة، وتتعلق بإرادة الله نفسه، من جهة أخرى، من غير الممكن أن يفكر مأفون من هذا النوع باستبدال حقه الإلهي المزعوم، بشرعية بشرية، أو جعل سلالته النبوية المتخيلة، في منافسة ديمقراطية مع أشخاص من سلالات يمنية عادية، ولو فعل هذا بجدية لأطاحت به الجماهير إلى مزبلة التاريخ.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية