بعد ثماني سنوات قاسيات يحاول فيها الحوثي كسر شوكة القبائل..وقد نجح إلى حد ما وفكك بنيتهم وجرهم عنوة إلى صفه ترغيباً أو ترهيباً، حتى أفقدهم توازنهم واستأثر بقطاع واسع من أبنائهم لرفد الجبهات والتباهي بزخمهم في المعارك، وظلت القبائل في حيرة من أمرهم، مذهولين من فداحة فقدانهم لشبانهم في حرب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، وإنما كانوا هم السبب في انتصار طرف سيبتلع وجودهم ويجتث مقامهم وهم في غفلة من شتاتهم، رغم أن من يقاتلون إلى جانبه يجازيهم باستلاب وجاهتهم ونهب أرضهم وتمزيق شريان ثقلهم وقوتهم وإذلال رموزهم وإذابة تأثيرهم في الواقع السياسي المعقد وإغراق طيفهم الواسع بالتطييف والتشيع والتبعية لمشروع السلالة الواهم.

بعد كل هذا: ماذا يدور في خَلَد القبائل وهم يرون أنهم باتوا وسط طاحونة الموت وتقليص نفوذهم وتحطم أمنهم واستقرارهم يوماً بعد آخر..

هل ارتضيتم أن تكونوا عبيداً لكاهن في كهف يدّعي علاوة في النسب عليكم، وأحقية إلهية في حكمكم ونفاذ سلطته فيكم..

هل تقبلتم أن يسلط عليكم مشرفين مراهقين من السلالة، يمنحهم الصلاحية في إدارة شؤونكم وبعثرة كرامتكم واقتيادكم صاغرين خانعين لأوامرهم، تكتمون غيظكم وتتحلون بالحكمة والصبر توهماً منكم في حقن دماء أتباعكم، وتغضون الطرف عن تفجير وضع الصدام مع سلطة أمر واقع أغارت عليكم صبيحة يوم غادر، والحقيقة المُرة أنكم ظللتم طريق الحكمة وأخطأتم تفسير الواقعة، فدماؤكم لم تُحقن البتة، وكرامتكم لم تُحفظ، وأموالكم لم تسلم من نهب وسلب من استخف بعقولكم وأهدر وجاهاتكم وقصقص أجنحتكم حتى بَانَ عجزكم وترهلت شكيمتكم، وستنالون أبشع ما يخطر في بالكم من تنكيل وترويع على يد الكاهن الآفاق كلما غمستم رؤوسكم في الرمال الكهنوتية وتخليتم عن جمهورية عشتم في ظلها أبهى وأجل سنوات العز والرخاء والمقام الرفيع.

يا قبائل اليمن: أما زال الدجال يغريكم بانتمائه لكم، وحربه من أجل عزكم وسيادة أرضكم، ومصلحة وطنكم وقد أباح شرفكم وعرضكم لأزلام فارس، وجاهر بتبعيته لنظام الملالي، ومجدكم وعزتكم ما كان منكم أبداً ولن يكون معكم لا في سابق عهده ولا في قادم أيامه، أغواكم بالوطنية تارة وبالعقيدة تارة أخرى، وظننتم أنه يحرس قيمكم ويحفظ مبادئ القبيلة والعرف بينما ينتهك سنن الله في الأرض ويسحق قوانين الإنسانية على مرأى ومسمع منكم، وغداً ستكونون أنتم في مرمى أحقاده وبطش أوهامه..

أفيقوا من سباتكم قبل أن يغدو موتاً، واستعيدوا بأسكم، وغيروا منطق علاقتكم به، اصحوا قبل أن تتجمدوا، وانتفضوا وأنتم قادرون قبل أن تُشل حركتكم وتُنتزع منكم همتكم، فالأوان لم يفت بعد، وكلما صحوتم باكرين ظفرتم بمجد، فالخذلان سيقودكم إلى حتفكم المحقق، والانكسار سيمضي بكم إلى جحيم لا قعر له وعبودية لا نظير لها..

الموت مرة خير منه ألف مرة، تذكروا ما صنعه الإماميون بأجدادكم على مدى ألف عام، وهذا الكهنوت نسخة متكاملة من القبح والوحشية والعدائية تجسدت فيه دفعة واحدة سيذيقكم إياها مقبلاً غير مدبر، لولا تحزمكم بالشجاعة والنخوة لتتغدوا به قبل أن يتعشى بكم.

لم يكن قوياً إلا بكم ولو سلبتموه هذه القوة وسخرتموها ضده لأدركتم كم هو واهن وهش، ولندمتم على تأخر وثبتكم وانتفاضتكم عليه كثيراً، سيتهاوى أمامكم كرقعة بالية وستسحقونه وأنتم شامخون، التضحية من أجل الحرية ثمنها هين مقابل البقاء تحت سقف الذل والمهانة، تبختركم طويلاً على جمهورية عدل وقانون، ورضختم لعصابة عنصرية رجعية فهذا عاركم الذي لن يغفره الماضي ولا المستقبل، فتخلصوا من هذه اللعنة قبل أن تفنوا بخزيها ومرارة فعلها إلى حيث يرث الله الأرض ومن عليها.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية