تحل على اليمنيين ذكرى ثورة 26 سبتمبر الـ61، ورِدّةِ 21 سبتمبر بنسخته الإمامية الـ(9)، وهما مناسبتان تمثلان ركيزة الصراع اليمني منذ ثمانية أعوام ونيف، سعى فيه الجمهوريون والإماميون الجدد (مليشيات الحوثي)، على حد سواء جاهدين في تثبيت والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات قديمة وحديثة. شكّل الميدان العسكري معظم جهد الجمهوريين؛ فيما بذلت المليشيات الإمامية جهدًا مضاعفًا في الجانبين (العسكري والفكري) في سعي حثيث لطمس ثورة 26 سبتمبر من أذهان الناس في مناطق سيطرتها، التي تمثل 75% من جغرافيا الجمهورية الوليدة آنذاك.

لم يعلن الأئمة الجدد بعد 21 سبتمبر رغبتهم بشكل صريح في تغيير النظام الجمهوري إلى ملكي، أو جعله نظامًا جمهوريًا بنسخة إيرانية يحتكر القرار فيه إمام فقيه تحيط به هالة من القداسة، وهو ما تمارسه مليشيات الحوثي صراحة عبر زعيمها المدعو "عبدالملك"؛ إلا أن السلالة ترى أن الإفصاح عن ذلك خلال مراحل الحرب قد ينجم عنه صدام كبير أمام شريحة واسعة من اليمنيين؛ وذلك لارتباطهم وجدانيًا بالنظام الجمهوري، الذي تمخض عن ثورة الـ26 من سبتمبر.

لذا؛ كان تمهيد السلالة لمشروعها تدريجيًا من خلال تشويه رموز الثورة والجمهورية، وتغيير المسميات المرتبطة بها في المدارس والمؤسسات الحكومية والطرقات، وإلغاء الاحتفالات؛ فضلًا عن عمليات تهميش وتشويه في المنهج الدراسي، ومع ذلك كله جاءت النتيجة عسكية؛ إذ تزيد مظاهر الاحتفاء بـ26 سبتمبر بمرور الأعوام وصولًا إلى ظهور دعوات رسمية هذا العام للاحتفال بالثورة في مناطق السلالة، فما هي أسباب فشل محو الثورة من أذهان الناس؟

جاءت ثورة 26 سبتمبر بنظام وسلوك يتناسب مع الفطرة الإنسانية، التي ترفض العبودية والإذلال والتمييز العنصري على أساس عرقي كما كان واقعًا في عهد الإمامة، عوضًا عن النهب والسلب والتوجيع والإفقار لإخضاع الناس، وغيرها من الممارسات التي بقيت حية ذهنيًا لدى اليمنيين لعدم وجود فجوة زمنية طويلة بين العهدين الإمامي والجمهوري، رغم القصور الذي وجِد في تثقيف اليمنيين عن حقيقة الإمامة كمشروع ذي موروث ديني سُلالي لا يقتصر على أسرة حاكمة واحدة.

وكون فكرة الإمامة تستند على ذات الأدبيات والمؤلفات الدينية منذ قرون، جعل من كل حقبة إمامية، على تباعد الزمان والمكان، نسخة مكررة في السلوكيات والممارسات ضد اليمنيين، بما في ذلك السلوك والفكر الحوثي المنتشر في مناطق سيطرته، الذي يستقي من ذات الأدبيات؛ فسارع في جباية الأموال والاستحواذ على المناصب والوظائف التي يراها حقًا حُرمت منه الأسر السلالية ووجب استعادته، الأمر الذي أعاد إلى أذهان اليمنيين حقبة مظلمة عاشها الأجداد في صورة أكثر وضوحًا وبشاعة، فكانت كل محاولات الإمامة في طمس الثورة من أذهان الناس فكريًا ودعائيًا وتعليميًا تمحوها حملة جمع جبايات حوثية لأموال الناس بالباطل، وما أكثرها!

من جانب آخر، فقدت الإمامة في عصر التكنولوجيا أهم عناصر القوة لديها سابقًا، وهو فرض الانغلاق الاجتماعي والثقافي على الشعب في مناطق سيطرتها، ورغم أن المليشيات الحوثية استفادت كثيرًا من وسائل الإعلام الحديثة في توسيع رقعة نشر أفكارها؛ كان في المقابل هناك وصول واسع لوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المناهضة للمشروع الإمامي، إلى مجتمع تحاول السلالة تدجينه وتغيير أفكاره؛ ففي حين كان معظم السكان في المناطق المحررة مؤمنون بالجمهورية، ومثلهم كُثر في مناطق المليشيات، ساهم وصول الأفكار في زعزعة اليقين الذي تحاول المليشيات تثبيته في المجتمع الذي تسيطر عليه، 
وهو أمر في غاية الأهمية، ومثّل أحد أسباب سقوط الإمامة من قبلُ عندما تمكن الثوار قبل عام 1962م من اختراق جدار العزلة المفروضة بهالة من الجهل.

ومثلت جنازة تشييع "المكحّل"، الناشط الذي اغتالته المليشيا الحوثية في محافظة إب، التي تسيطر عليها، استفتاء عفويًا نسف بناءً ظل يُبنى طوال ثماني سنوات، خصوصًا أن معظم من هتف ضد الحوثيين هم الشباب والأطفال؛ الفئة التي كرست السلالة عليهم كل جهودها لإيجاد جيل منقاد، ومعظمهم بدأ في بناء وعيه خلال فترةٍ كل شيء يحيط بهم حوثيًا، ما يثبت وجود تنشئة جمهورية أسرية، بعيدًا عن الأفكار الطائفية في المدرسة والتي يبدو أنها تُترك على عتبة الفصل عند معظم اليمنيين أطفالًا وشبابًا وكبارًا.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية