ضحية جديدة وقصة مثيرة تضاف إلى رصيد الحوثي وسجله الإجرامي بحق المرأة اليمنية التي لم تنجُ من بطشه، ولم تسلم من انتهاكه، وكان آخر مستجدات هذا السجل حكم الإعدام الصادر في الخامس من ديسمبر من المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، المتعلق بإعدام الناشطة والباحثة اليمنية فاطمة العرولي.

فاطمة كانت تدير شركة مهتمة بالنقل تملكها، ساقتها الأقدار إلى حتفها المشؤوم الذي كان ينتظرها في إحدى النقاط الحوثية في تعز، لتولد منذ تلك اللحظة قصة معاناة، وسيرة وجع، وزمن طويل من الانتهاكات؛ اختطاف واعتقال وإخفاء قسري وتعذيب حتى يستقر على مشارف النهاية المريعة بالإعدام.

تناقض عجيب وسقوط في الوحل يرتسم في أفق كل قضية حقوقية تشعلها الجماعة الحوثية، تناقض بين تظاهرها بمواصفات دولة، وبين سلوكها وأفعالها كعصابة، حين تلفق التهم وتصدر الأحكام تتشح بكونها صاحبة سلطة والتزام بالقانون والعدل، وفي المقابل تمارس ذلك الفعل بطقوس عصابة وعقلية مليشيات وخرق للأعراف والقوانين.

فاطمة تم اختطافها في البدء، وانقطع خبرها شهوراً، ومن ثم فاح خبر اختفائها في السجن الحوثي، ومُنع عنها أي تواصل أو الحصول على أدنى مستوى من حقوق المعتقل أو المتهم، إضافة إلى أصناف التعذيب الذي طالها كما طال نظيراتها من المعتقلات.. فهل هناك منطقية بين الاختطاف والاعتقال والحكم دون السماح للمتهمة بالدفاع عن نفسها من محامٍ، ومع ذلك تسمي عملك هذا قانونياً ومخفرك التعذيبي محكمة؟! فيا للعجب!!

(التخابر والتجسس لصالح دولة معادية).. هذه التهمة التي لا حد لها ولا معنى واضحاً لمفهومها، وكانت المسوغ الأكبر في استباحة دماء اليمنيين من الجنسين، وإهدار حقوقهم وكرامتهم وفقدان حريتهم.. وقعت فاطمة في شباك الاصطياد السلالي التعسفي، وبدت متورطة للنخاع، ويستند تورطها بالعثور على بيانات ودراسات ميدانية عن محافظة الجوف ومأرب، والغريب أن تلك الأدلة التي أقام الحوثي على ضوئها حكمه هي في الأصل أبحاث علمية مسحية عن النوع الاجتماعي وليست معلومات سرية يعاقب عليها القانون، لكن عصابة الإجرام لا فرق لديها بين كونها دراسات أو إحداثيات وتسريبات تلحق الضرر بمصلحة الوطن المختطف بيد العصابة ذاتها.

يا لسخرية القدر! تُتهم فاطمة العرولي بالخيانة الوطنية من قِبل سلالة إجرامية خائنة لله وللدين، للجمهورية والدولة، للقوانين والأعراف، للمبادئ والقيم، للإنسانية والأخلاق، للحرية والكرامة، للسيادة الوطنية والسلام، وتمارس العمالة والارتزاق والتبعية لخميني إيران وتطبق تعليماته بحذافيرها، مبيحة له ولأطماعه ونزعات الشر والدمار في سياسته، الأرض والإنسان في اليمن وجعلها حوزة فارسية وقاعدة تهديد وزعزعة للإقليم والعالم، ومع كل هذا تصبح تلك الخيانة دستوراً مجحفاً يجب إلزام الجميع به ومن يخالفه فلعنة الخيانة له بالمرصاد.

ليست فاطمة آخر الضحايا؛ بل هي مجرد فرد من بين عشرين مليون يمني قابعين تحت سلطة نفوذ الحوثي مُدانين بنفس التهمة وينتظرهم نفس المصير، ومن عجلت به منيته وانتهى أمده وضاق به الحوثي ذرعاً، لقي نحبه بين ليلة وضحاها، بعد أن يقبع في السجن منتظراً حتفه.

هكذا تتخذ المليشيا الحوثية من جائحة التخابر فضاءً فسيحاً يتهاوى على رؤوس اليمنيين، يهشم حياتهم ويهدد استقرارهم، ويبقيهم خانعين راضخين لأقسى التعسفات والانتهاكات الحوثية، والصمت عن الجرائم وويلات الاستلاب والجبروت المتكئ على ذريعة محورية غدت شبحاً يقف على عتبة كل منزل وأسرة يمنية مهما كان مركزها أو نفوذها، فكابوس التخابر منح الجماعة مكاسب مادية وسياسية واجتماعية لم تحظ بها تحت أي مطية أخرى.

وللعلم، فإن حكم الإعدام الصادر بحق فاطمة العرولي جاء بعد أيام قلائل من انتشار الكثير من التقارير الغربية الخاصة والعامة التي تدين وتستنكر الانتهاكات الفادحة التي تتعرض لها اليمنيات القابعات في سجون المرتضى الحوثي، المسؤول الأول في الجماعة عن ملف اعتقال النساء في صنعاء، بحسب تلك التقارير الموثقة، وهذا الحكم يهدف في هذا التوقيت إلى نفي حقيقة ما تضمنته التقارير من خلال إلصاقه بالدائرة القانونية والمحاكمة العادلة للمعتقلات، واعتباره شأناً داخلياً حسب اللوائح الوطنية التابعة للحوثيين وليس انتهاكاً أو خرقاً لحقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة!!

ومن المحتمل أن يُطلق سراح فاطمة العرولي لو فُديت بمبلغ مالي باهض، كما جرى مع بعض المعتقلات كعادة الحوثي المتاجر بكل شيء والمستغل للأباطيل والتلفيقات للإيقاع باليمنيين وامتصاص دمائهم بكل الطرق والوسائل.

نأمل من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العالمية الضغط على الجماعة وإلحاق العقوبات الملائمة بها؛ حتى يتم إطلاق سراح العرولي ومن يقفن في نفس السياج، وإلا فإن التمادي واتساع رقعة الانتهاك سيشمل يمنيات كثيرات ستعج بهن سجون المليشيا الإرهابية في المستقبل.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية