أعرف المخا منذ نعومة أظفاري بفصولها الأربعة ومناخها الصعب، مينائها الفقير وشوارعها الوعرة.. أكواخ الصفيح والبيوت التاريخية، الحلاوى المخاوي والمشبّك.. أسماكها الطازجة ذات الجودة العالية.. وتماسها مع مناطق تهامة وتعز الغنية بالزراعة والعلم والثقافة.

الناس في المخا سلالة نادرة من البشر نحتت أجسادهم حرارة الشمس والهواء الرطب والبيئة الملحية، وحين تذهب إلى أطلال المدينة التاريخية ترى تأثير هذه الأجواء الصعبة حتى على الحجارة.

عبر التاريخ، لم تسقط مدينة الشاذلي وظلت ثغراً باسماً لليمن آلاف السنين قبل أن يغرقها سيل "الربوع" ويختطف منها الأضواء والمكانة ميناء عدن، وفوق هذا صفوة مجتمعها وتجارتها وحياتها الثقافية.

بين عدن والمخا علاقة والد ومولود وعاشق ومعشوق.. يجمعهما ساحل واحد وتربط بينهما طريق وارفة ووشائج لا تزال قائمة.. تفاجئك المخا بأيام "الشمال" حين يروق جوها ويصفو لينسيك أيام "الأزيب" والرياح العاتية المحملة بالرمال الساخنة التي تشوي الوجوه.

خلال مكوثي المتقطع في هذه المدينة، لطالما تساءلت ما الذي يجبر البشر على البقاء في طقس كهذا فيه من الأنكاد ما ليس في غيرها.. وكثيرا ما كانت تأتيني الإجابة من فرص الرزق الوفير الذي أتيح هناك وأشياء أخرى تميزت بها المنطقة أقربها وادي وساحل الملك ذو النخيل والظلال الوارفة على شاطئ رماله من فضة.

أسمع وأرى اليوم كثيراً من التغيرات التي أعادت هذه المدينة إلى واجهة الأحداث ووضعتها على درب النماء واستعادة المكانة التي تستحقها. 
اليوم تشاهد في المخا شيئاً جديداً ومذهلاً، ليس المطار الذي ينتظر الطائرات والرحلات وليس المشاريع لبناء الطرقات والتخطيط الحضري ومولدات الطاقة الشمسية، وليس أي منجز أحدثته المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح، المذهل أن هناك روحاً مختلفة بدأت تدب في هذه القطعة المهمة من الوطن، نظرة التفاؤل بمستقبل واعد ينمو كزهرة في قلب نار الحرب اليمنية.

هذه هي المخا الجديدة؛ رصاصة قناص في قلب الانقلاب الحوثي المبني على ثقافة الموت.. يقولون: ما أسهل الحرب على المتفرجين، صحيحة هذه العبارة والدليل ما يساق ضد زعيم المقاومة من انتقادات خصوصاً بعد حديثه عن الإسفلت والحرب "تشتونا نحارب حاربنا والا نرجع نسلفت".

على عفويته وبساطته، أبرز طارق صالح صورة مُثلى عن مسارات الحرب التي يفترض بنا أن نحسمها مع عصابة الحوثي؛ العمل العسكري خيار مفتوح ومقدور عليه لكنه مرهون بتعقيدات إقليمية ودولية تؤخره وتجعله بحكم فاتورة الآجل.. أما الخيار المتاح فهو البناء والإعمار وبناء نموذج للحياة يجابه نموذج الدمار والحرائق الذي بناه الحوثيون ويحاولون غسل أدمغة اليمنيين لقبوله رغم أنوفهم.

حتى الآن تعتريني الدهشة أمام المنجزات المتحققة للمخا بفضل دعم الأشقاء السخي في الإمارات الشقيقة، وتلك السواعد والأفكار النيرة التي وظفت هذا الدعم خير توظيف بما يخدم مشروعنا الأكبر؛ استعادة الدولة والجمهورية من أيدي أعداء البشرية دعاة الموت والدمار.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية