لم يكن مفاجئًا إعلان وقف الحرب بين إيران وإسرائيل بعد أيام من التصعيد، لكن ما يثير السخرية فعلاً هو إصرار طهران على أنها صاحبة "الطلقة الأخيرة".. وكأن رصاصة تُطلق في الهواء كافية لمحو ركام المنشآت النووية، ودماء قادة الحرس الثوري، وعقول البرنامج النووي والأمني، ووجع الداخل الإيراني المثقل بالإحباط.

تابعت هذه الحرب منذ لحظتها الأولى، ولست محللًا عسكريًا، لكنني ممن يدركون جيدًا كيف تصنع الأنظمة الشمولية والثيوقراطية انتصاراتها.. لا في الميدان بل عبر شاشات الأخبار ونشرات المساء ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي.. فالادعاء بأن إيران أنهت الحرب بالطلقة الأخيرة، لا يختلف كثيرًا عن من يُطلق رصاصة صوتية بعد سقوط المسرح وإخلاء الجمهور.

المعركة لم تكن متكافئة، إسرائيل دخلت وهي تعرف أهدافها ضربت بدقة، وخرجت بعدما حققت أغلب ما أرادت.. أما إيران ورغم ضجيج الرد لم تُسقط طائرة، ولم تدمر هدفًا عسكري يُذكر، ولم تقتل قائداً إسرائيلياً واحداً، وبل اكتفت بهجمات غالبها استهدفت أعياناً مدنية، وخطاب دعائي موجه إلى جمهور داخلي محاصر بين قبضة العقوبات وقبضة النظام.

في السياسة كما في الحرب، المسألة ليست من أطلق آخر صاروخ، بل من أجبر الآخر على التوقف.. وإذا عدنا لما حدث، سنجد أن إيران هي من لجأت إلى وساطات خليجية بعد القصف الأمريكي للمنشآت الثلاث والتمثيل الإيراني بالرد بقصف قاعدة العديد بقطر، طالبة الضغط على تل أبيب، لا العكس.. الولايات المتحدة أملت الشروط، وقطر نقلت رسائل التهدئة، أما طهران، فاكتفت بالحديث عن وقف العدوان ثم صمتت.. لم تكن تملك خيار الاستمرار ولا كلفة التصعيد ومع ذلك رفعت سبابتها لتعلن أنها صاحبة الرصاصة الأخيرة، وهي السبابة ذاتها التي كانت ترتجف تحت نيران وصلت إلى قلب نطنز.

قد يقول البعض.. لا تستهينوا بإيران، فهي ما زالت قادرة على الرد.. هذا صحيح نظريًا، لكن الواقع يقول إن الردع تغير، وسقف المغامرة انخفض، وإن الداخل الإيراني بات يدرك أن معركته لم تعد مع الخارج، بل مع سلطته التي تستهلك الدم لتخفي العجز.

هذه الحرب لم تسقط النظام، ولم تنهِ مشروعه النووي الذي ربما أعادته للوراء لعقود كما تطورها في التسليح، لكن الواضح بأنها مزقت قناع القوة الذي طالما تغذى على الدعاية أكثر مما استند إلى واقع.

وربما أطلقت إيران الطلقة الأخيرة.. لكنها لم تكن رصاصة نصر.. بل كانت صفارة النهاية.. النهاية التي لا تُعلن في البيانات، بل تُقرأ.. بين السطور.

أخبار من القسم