كأن البحر نفسه قرر أن يتكلم.. صمت طويل، ثم ضربة واحدة أيقظت اليمن من سباته المزمن.

لم تكن العملية البحرية التي نفذتها القوات التابعة للمقاومة الوطنية مجرد خبر عابر في سيل الأخبار اليومية، بل كانت لحظة فاصلة، أقرب إلى صفعة أيقظت بلدًا بأكمله!

شحنة ضخمة من السلاح الإيراني، على متنها مئات الصواريخ والمعدات القاتلة، كانت تشق طريقها بهدوء نحو الحوثي، كما اعتادت طوال سنوات الحرب.. لكنها هذه المرة لم تصل؛ لأن رجالًا كانوا هناك، في عرض البحر، ينتظرون بصبر، يرصدون ويتابعون، ثم يقررون: (انتهت اللعبة).

الحوثي، الذي أجاد- طوال سنوات- بيع الكذب وتوزيع شعارات البطولة والتصنيع المحلي، وجد نفسه عاريًا أمام الجميع.. لم يعد بالإمكان تغطية الشمس بغربال بعد أن ظهرت الصواريخ التي لطالما قال إنها محلية الصنع، ملتصقة بها ملصقات فارسية وكتيبات إرشاد صادرة عن وزارة الدفاع الإيرانية.. وحدها هذه الصورة، حين انتشرت، كانت كافية لنسف كل أسطورة، وهدم كل وهم بناه الحوثي في عقول أنصاره ومؤيديه.. عشر سنوات وهو يبني متحف أكاذيبه، لتأتي موجة من عرض البحر وتهدمه في لحظة.

المدهش في كل ذلك لم يكن حجم الشحنة فقط، بل الاستفاقة الوطنية التي أعقبت العملية.. شيء ما تغيّر فجأة، من اعتادوا الخلاف، وجدوا أنفسهم يتحدثون بلغة واحدة، من اعتادوا التشكيك، وجدوا أنفسهم يصفقون.

وكأن العملية البحرية لم تضبط شحنة أسلحة فقط، بل أعادت لليمنيين إحساسهم الغائب بأنهم، رغم كل شيء، قادرون أن ينتصروا.. لم يعد الأمر مجرد معركة على الجبهات، بل معركة على الوعي، على الحقيقة على استعادة ما فقدوه من إيمان بأن لهم قدرة على الدفاع عن وطنهم بأيديهم، لا بأيدي الغرباء.

كانت لحظة نادرة؛ أن ترى يمنيين من كل التيارات، من كل الخلفيات، يباركون العملية.. ليس لأنها عملية مقاومة فصيل معين، ولا لأن من نفذها جهة يتبعونها سياسيًا، بل لأنها ببساطة عمل وطني خالص.. عمل لا يحمل لونًا سياسيًا، ولا راية حزب.. عمل أعادهم جميعًا إلى نقطة البدء (معركة استعادة الوطن من وكلاء إيران).

في كل تحليل كُتب، في كل منشور نُشر، لم يكن أحد يحتفي فقط بضبط السفينة، بل بانكشاف الحقيقة.. انكشف الحوثي كوسيط، كوكيل لا أكثر، كل تلك السنوات من الادعاء لم تكن سوى غطاء لشحنات تصل تباعًا من طهران، بأسلحة تموت في اليمن، ليعيش وكلاء إيران على جماجم الأبرياء.. كذبة التصنيع المحلي ماتت في تلك الليلة التي صعد فيها جندي يمني إلى سطح سفينة مجهولة، ليكتشف الحقيقة وليمنح وطنه لحظة انتصار لا يمكن شراؤها بالمال ولا تعويضها بالكلمات.

ربما سيحاول الحوثي الإنكار، وسيردد مؤيدوه الشعارات القديمة ذاتها، لكن الكذبة انتهت.. السلاح لم يُصنع في كهوف مران، بل جاء على ظهر السفن، مكتوبًا عليه بالفارسية، ومحشوًا برؤوس الحقد الإيراني.. ذلك وحده يكفي.

هكذا، بلا مقدمات ولا توقعات، صنع البحر انتصاره.. لا بلبلة ولا استعراضات، فقط عملية صامتة، لكنها أحدثت صخبًا في وعي اليمنيين لم يحدثه سلاح من قبل.. في تلك الليلة، أدرك الجميع أن المعركة لم تحسم، لكنها ليست خاسرة.. وأن الوطن الذي علقوه في قوائم الانتظار، يمكن أن يعود، حين يوجد رجال لا يساومون في المعركة، ولا يهادنون في المبدأ.

انتهت الحكاية هنا، لكنها بدأت من جديد هناك.. في البحر، حيث أوقف اليمنيون أول شريان موت قبل أن يصل إلى قلبهم.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية