بعد انهيار "المحور".. إيران تعول على دور من وكلائها في اليمن
تفتح رسالة القائد العام للحرس الثوري الإيراني، محمد باكبور، إلى قيادة مليشيا الحوثي، عقب مقتل القيادي البارز محمد الغماري، نافذةً واسعة على مستويات العلاقة التي تربط طهران بأذرعها المسلحة في المنطقة، كما تكشف عن إرهاصات مرحلة جديدة من إعادة التموضع الإيراني بعد سلسلة من الانتكاسات العسكرية والسياسية التي مُنيت بها.
ورغم أن الرسالة اتخذت شكل التعزية في الغماري، مصحوبة بتهنئة للمداني، فإن ما بين سطورها بدا أشد وضوحًا من نصها؛ إذ حملت تأكيدًا صريحًا على استعداد الحرس الثوري لـ“تعزيز الروابط الاستراتيجية” مع الحوثيين، في إشارة يُقرأ منها أن إيران تتهيأ لمرحلة تركيز نفوذها عبر البوابة اليمنية.
تأتي هذه الإشارات في توقيت بالغ الحساسية بالنسبة لطهران، التي تواجه تراجعًا كبيرًا في حضورها الإقليمي بعد تآكل نفوذ حزب الله في لبنان، وتنامي الضغوط الأمريكية على وكلائها في العراق، فضلًا عن انحسار نفوذها كُليةً في الساحة السورية. وتزداد مأزومية المشهد الإيراني مع تفعيل الترويكا الأوربية آلية "الزناد" في مجلس الأمن، وسط توقعات متصاعدة بإمكانية تعرض طهران لضربة عسكرية.
وفي خضم هذا الواقع المضطرب، يبرز الحوثيون كذراعٍ أكثر ملاءمة لإيران لملء الفراغ الاستراتيجي، في جغرافيا تمنحها موضع قدم متقدمًا على خطوط التأثير في البحر الأحمر والممرات البحرية الحيوية، وبالتالي تصعيد الأنشطة الإرهابية المزعزعة لاستقرار المنطقة والملاحة انطلاقًا من اليمن في إطار سياسة تهدف إلى نقل بؤر التوتر نحو الممرات الدولية واستخدامها كورقة ضغط في مواجهة الخصوم، خصوصًا في ظل تراجع قدرة إيران على المناورة في ساحات نفوذها التقليدية.
رسالة باكبور في جوهرها ليست مجرد نعيٍ سياسي، بقدر ما هي إعادة تعريف لدور الحوثيين ضمن معادلة النفوذ الإيراني، فهي تعكس إدراكًا متزايدًا داخل الحرس الثوري بأن اليمن قد يتحول إلى الساحة الأهم في المرحلة المقبلة، لا سيما بعد اتفاق حرب غزة، التي فرضت على طهران إعادة توزيع أذرعها بما يتناسب مع المشهد الإقليمي الجديد.
ويرى مراقبون أن لغة باكبور لم تكن عفوية ولا رمزية؛ إذ تعكس توجهًا إيرانيًا واضحًا لتعزيز الدعم العسكري واللوجستي للحوثيين، واستثمارهم كورقة ضغط في مواجهة المناوئين الإقليميين والدوليين، عبر ملف البحر الأحمر الذي تنظر إليه طهران باعتباره إحدى أدوات الابتزاز الاستراتيجي التي تمنحها موطئ قدمٍ مهم في معادلة الردع غير المباشر.
في المحصلة، تبدو إيران اليوم وكأنها تعيد رسم خرائط نفوذها من الأطراف لا من المركز؛ فاليمن، الذي ظل في منظورها لسنوات ساحة نفوذ أقل أهمية من لبنان والعراق مثلًا، يتحول تدريجيًا إلى مسرح رئيسي لمشروعها الإقليمي الذي أُنهك كثيرًا في العامين الماضيين، حيث يتمركز الحوثيون في منطقة ذات أهمية بالغة من الناحية الاستراتيجية سُمح لهم في البقاء بها نتيجة الحسابات الدولية الخاطئة، ما أتاح لإيران التحرك في هذه الجغرافيا وتصدير الفوضى منها.