تحليل| ما الذي يخفيه غياب العاطفي وعبدالكريم الحوثي عن تشييع الغماري؟
أثار غياب محمد العاطفي وعبدالكريم الحوثي، وزيري دفاع وداخلية مليشيا الحوثي الإرهابية عن تشييع منتحل صفة رئيس أركان المليشيا عبدالكريم الغماري بالعاصمة المختطفة صنعاء، تساؤلات حول مصيرهما وسبب سياسة التكتم التي تنتهجها المليشيا بشأن قتلاها الذين سقطوا في الضربات الإسرائيلية الأخيرة.
مصادر مطلعة في صنعاء توقعت أن يكون الرجلان قد تعرضا للقتل أو لإصابات خطيرة حالت دون مشاركتهما في التشييع، مشيرة إلى أن الإعلان عن مصيرهما قد يتم خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.
المعلومات المتضاربة تشير إلى أن العاطفي أُصيب بالغارة التي استهدفت الحكومة الحوثية- غير المعترف بها- في نهاية أغسطس الماضي، ما أدى إلى بتر ساقيه، فيما يُرجح أن يكون عبدالكريم الحوثي، قد لقي حتفه.
ومنذ الغارة التي أودت بحياة رئيس حكومة المليشيا وعدد من الوزراء وقيادات أخرى، لم يسجل أي ظهور علني للرجلين. وتتابع المليشيا سياسة تكتم صارمة على مقتل قياداتها البارزة، كما حدث مع الغماري، الذي لم يُعلن عن مصرعه إلا بعد أربعة أشهر.
تتعدد التحليلات حول أسباب هذا التكتم، فيما يُظهر نمط تشييع رئيس حكومتهم غير المعترف بها مقارنة بتشييع الغماري، أن المليشيا تولي أهمية أكبر للقيادات المنضوية داخل المنظومة العقائدية الإيرانية، مستعيرة أسلوب حزب الله في لبنان.
ويبدو أن سياسة التكتم الحوثية تتسق مع توجيهات الحرس الثوري الإيراني، كما جاء في رسالة قائد الحرس الثوري، محمد باكبور، إلى قيادة المليشيا عقب الإعلان عن مقتل الغماري، والتي تؤكد أن القرار يخضع لغرفة عمليات إيرانية تديرها عناصر من فيلق القدس.
في المحصلة، تعمل إيران على إعادة ترتيب أوضاع الحوثيين بعد الضربات الأخيرة، في إطار إعادة رسم خريطة نفوذها بالمنطقة.
ويشير مراقبون إلى أن الإعلان المتزامن عن مصرع الغماري مع اتفاق وقف الحرب في غزة يهدف إلى إيهام الرأي العام بأن المليشيا قدمت تضحيات جسيمة، رغم أن الهدف الحقيقي كان إعادة ترتيب صفوفها الداخلية.
ويضيف خبراء عسكريون، من بينهم العميد ياسر صالح والعميد ركن عبد الصمد المجزفي، أن التأخر في الإعلان عن مقتل القيادات العسكرية يعود إلى الخوف من انهيار معنوي وتمرد داخل صفوف عناصر المليشيا، التي تعيش حالة ارتباك واضح منذ الضربات الأخيرة التي استهدفت مواقع حساسة وقياداتها العليا.
ويؤكد المراقبون أن مقتل قادة بارزين يشكل ضربة مباشرة للعمق التنظيمي للمليشيا، الذي يرتكز على الجانب القتالي أكثر من السياسي أو الاقتصادي، وأن الإعلان عن سقوط هؤلاء القادة يهدد فكرة "القداسة العسكرية" التي تحيط بها رموز المليشيا، ويؤثر على تماسك القيادة وقدرتها على السيطرة على قواعدها التنظيمية.
كما يرى خبراء أن تأخير الإعلان عن مقتل الغماري وقيادات أخرى يعكس خوف الحوثيين من كشف دائرة التواصل بين القيادة والجبهات، وإعادة ترتيب الاستراتيجية العسكرية لمواجهة الاختراقات الأمنية الأخيرة، التي لم يتمكنوا- رغم التحقيقات القسرية- من تحديد طبيعتها وحجمها بدقة.
ووفقًا للمعلومات المتداولة، فإن المليشيا تعمل حاليًا على حماية زعيمها من خطر الاغتيال في ظل ضعف تكتيكي وإداري واضح في أجهزة الأمن والاستخبارات، بينما تُظهر القيادات العسكرية في جميع تشكيلات إيران في المنطقة، من العراق إلى اليمن ولبنان، خضوعًا مباشرًا للقيادة الإيرانية في الحرس الثوري، وهو ما يوضح أن ترتيب القيادات الحوثية يعتمد على مدى قربها من طهران.