وطن يتحول إلى سجن في زمن الحوثي!
لم يتبق شيء ينفي حقيقة تحول اليمن إلى سجن كبير مفتوح مليء بسجون صغيرة أشبه بزنازين انفرادية بنُظم أشد قسوة وصرامة عن طبيعة الحياة في باحة السجن الكبير الذي يضم شعبًا بأسره، هذا المنجز التاريخي الوحيد الذي صنعه الحوثي وتلك الوطنية التي اخترعها.
لقد استطاع هندسة حياة المجتمع الذي يحكمه لتشبه سمات وخصائص حياة السجون، وبقى شاووشًا يدير شؤونه ومعه مليشيات إرهابية قادرة على ضبط كل التعليمات الصارمة التي سنها ذلك الشاووش الكبير، ومن يثير الشغب ويخالف سلوكه تلك التعليمات فالزنازين الانفرادية وسيلة تأديبه المثلى.
هذه هي صورة اليمن الحوثية، وهذا هو شكل الدولة التي أقامها، وتلك هي السلطة التي قدمتها ثورته للشعب اليمني المغلوب على أمره في مناطق سيطرته.
لا مال ولا حرية ولا كرامة، لا رواتب ولا خدمات، لا مدارس ولا جامعات، حروب ومعارك وأزمات، نهب للموارد، ودمار لمؤسسات الدولة، استلاب للمال العام والخاص، جبايات وإتاوات وانتهاكات، ضرائب وجمارك وسوق سوداء، تحكم بالسلع والمشتقات، تجارة بالمخدرات والدعارة، تجنيد للأطفال وتيتيم للآباء، واختطاف للنساء، تغيير وطمس لهوية المكان والإنسان، وهيمنة على كل شيء، والمجتمع مختطف يتلقى حتفه تدريجيًا حتى يفنى. 
ورغم بؤس هذه المعاناة الكلية والاختناق الشامل إلا أن الحوثي حريص على جعل جزء منها معاناة خاصة، عذابًا أشد مرارة، تحمل طابع الزنازين الانفرادية (السجون الحوثية)، لاحتجاز كل مناوئ لسياسة السجن ولمن تفوه تلفظًا أو كتابة، أو من كان له انتماء حزبي أو له رأي سياسي، أو له وجاهة اجتماعية أو قبلية أو تربوية أو أكاديمية، وهكذا دواليك.
 
طيف واحد من الوجود لسلطة قمعية أرادت أن يؤمن الشعب الذي تحكمه قاطبة بفكرها الطائفي، وأن ينسلخ عن قيمه وهويته ومبادئه وسلوكه ليصبح نسخة طبق الأصل من النموذج الذي تريده هذه السلطة، مجاهدًا في الجبهات، دافعًا للجبايات، مؤمنًا بالخرافات، مطيعًا وملتزمًا بالأوامر والتوجيهات حتى إن كانت تنهب ماله أو تقتل ولده أو تسلب كرامته، فإن التزم نال المكرمات، وإن شكك أو اعترض خسر دنياه ودينه، واستحق أقسى العقوبات فدمه وماله مهدور، لأنه خائن ومرتزق داعشي وعميل صهيوني وأمريكي. 
لم تعد هناك جمهورية، ولم يتبق من ملامحها ما يُذكر بها، حتى عَلَمها الوطني بات جرمًا يُعاقب كل من يلوح به، هناك يوم الولاية ويوم الغدير ويوم المولد ويوم الشهيد، أيام وثنية ومناسبات طائفية وأسماء سلالية، هذه هي الحقيقة التي ما زلنا نتهرب من قولها، ولم نستعد بعد لمواجهتها، أو نتأهب كما يجب للانتصار عليها كتحد مصيري غير قابل للبقاء في وهم السلام أو الوصول لخارطة طريق يمكنها فك الحدود المغلقة التي شيدها الحوثي حول سجنه. 
لا بد من هزيمة هذا الشاووش وتحرير اليمن من قبضة سجنه واستعادة حياة كل المختطفين من جبروت سلطته، فقد عاث في الأرض فسادًا وظلمًا لم يشهده اليمن منذ ميلاده، حتى في أبشع لحظات انهزامه وضعفه.
                                
									
									
									
								








