حزب الله، أو ما يطلق عليه بعض اللبنانيين تهكماً "حزب اللات" هو الذراع الإيراني الأهم في المنطقة، من حيث أسبقيته مقارنة بالحشد الشعبي العراقي، والحوثيين في اليمن، ومن حيث فعاليته بالنسبة للأذرع الإيرانية في بعض دول الخليج، ووضوحه في اندماجه بخط الثورة الخمينية، وبحكم موقعه في دولة متاخمة لإسرائيل، وبالتالي كورقة في العملية التفاوضية مع الولايات المتحدة إذا لزمت الحاجة.

 

تشكل حزب الله كتنظيم من المنشقين عن حركة أمل، المعتدلة ما بين الاتجاه الثوري وبين التقية السياسية، والتي تعتبر إلى حد ما لبنان كياناً وطنياً بدرجة أولى، وعربياً بدرجة ثانية، خلافا لحزب الله الذي يحاول سلخ البُعد العربي اللبناني لصالح إيران.

 

وفي القضية القديمة الجديدة، في البنية الفارسية للتشيع، ذات التوجه العدائي الداخلي في المنظومة الإسلامية عموماً، والعربية خصوصاً، أدى حزب الله بنجاح كبير مهام مزعزعة للمنظومة العربية، بهذا القدر أو ذاك، وما ميز هذا الحزب هو أنه استطاع جذب تعاطف شعبي عربي، عبر تهويل دوره في الصراع مع إسرائيل، وإلى حد ما سحب البساط والأضواء عن الأدوار العربية، وحتى الفلسطينية في الصراع، وإلباسه نزعة طائفية تظهر الدور الشيعي البطولي في مقاومة إسرائيل، مقابل الدور المتخاذل بل والمتواطئ مع الإسرائيليين للسنة، والعرب دون تفريق بين سياسات أنظمة حاكمة وبين مواقف شعبية عربية، والأمر في المحصلة يصب في خدمة نظام ولاية الفقيه لناحية إضعاف المنظومة العربية وجرها لمعارك جانبية، وتشتيت وتفكيك الولاءات ذات الطابع الوطني والعروبي.

 

ورغم ما في الموقف "الحزب اللاتي" من مصادرة الفعل العربي والفلسطيني الفاعل -وما زال مع ما يعتريه من ضعف حاليا- أكثر من قرن في قضية الصراع مع إسرائيل، فإن واقع الأحداث يقتضي منطقاً آخر لا يعمل لصالح حزب الله وإيران.

 

سبقت الإشارة إلى أن الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي في لبنان، هو استبعاد الفاعلية الفلسطينية في مقاومة إسرائيل من داخل لبنان، البلد الصغير والضعيف الذي يمكن الفصائل الفلسطينية من التحرك بحرية أكبر، بعكس بلدان الجوار الأخرى ذات الأنظمة القوية والكثافة السكانية القادرة على امتصاص أية أنشطة من الفلسطينيين سيما بعد توقيع مصر والأردن اتفاقات سلام مع إسرائيل، وقوة قبضة النظام السوري التي مكنت من صمود اتفاق الهدنة بين سوريا وإسرائيل منذ 1973م.

 

على أثر تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية في لبنان في 1982م، وخروج قيادة منظمة التحرير إلى تونس، تكفلت حركة أمل في منع أية عودة نشطة للفصائل الفلسطينية بعد الانسحاب الإسرائيلي منتصف الثمانينيات وتولى حزب الله عملية الحلول في الجنوب اللبناني بدلاً عن الفلسطينيين، وقام بمناوشات في سنوات متقطعة مع الإسرائيليين مكنته من اكتساب مشروعية السيطرة على الجنوب، وبناء قواته العسكرية تحت يافطة المقاومة، وليس من العسير فهم أنه لو كان توجه حزب الله وإيران صادقاً في قضية الصراع مع إسرائيل لأمكن توفير قاعدة لإعادة تفعيل المقاومة الفلسطينية من الجنوب اللبناني الذي بات يتمتع بعمق استراتيجي استثنائي بعدما تمكن الإيرانيون من الهيمنة على الخط الجغرافي الممتد من طهران إلى حدود دولة الكيان الصهيوني مع دورها والموالين لها في العراق وسوريا، بخلاف قطاع غزة ذي الرقعة الجغرافية الصغيرة، وإحاطة إسرائيل به من أكثر الاتجاهات، ووقوع المنفذ الغربي بين مصر الموقعة اتفاقيات سلام مع الإسرائيليين، وبين شريط ساحلي قصير تمتلك إسرائيل القدرة العسكرية على حصاره، ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للضفة الغربية.

 

بالعودة إلى إسرائيل، كان من الواضح أن السياسة الإسرائيلية حريصة على إخلاء جنوب لبنان من السلاح الفلسطيني -في معية أي فصيل- واستبعاد أية احتمالية لعودة النشاط الفلسطيني المقاوم هناك، عبر خلق حزام أمني أو منطقة عازلة في الجنوب. ولم يكن ضم الجنوب اللبناني هاجساً إسرائيلياً، وواقع الحروب العربية الإسرائيلية يؤكد هذا، لذلك انسحب الإسرائيليون عقب ثلاثة أشهر من عملية الليطاني في 1978م، وفي ضربتها لمنظمة التحرير الفلسطينية، تمكنت من استصدار قرار من مجلس الأمن أدخل قوات حفظ سلام إلى جنوب لبنان ولكن يبدو أن القرار لم يكن كافياً، فغزوا لبنان مرة ثانية في 1982م، وما تبعه من اشتراط إسرائيل في اتفاق 17 مايو 1983م الانسحاب مقابل خروج القوات السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وما حدث خروج منظمة التحرير وبقاء السوريين.

 

وظلت إسرائيل، تعلن مراراً موافقتها على الانسحاب من جنوب لبنان شريطة ضمان أمنها من خلال منطقة عازلة، ووعد إيهود باراك إثر فوزه بمنصب رئيس الوزراء في 9991م بالانسحاب من جنوب لبنان في 2000م، إذ كانت قوات إسرائيلية قليلة تتواجد حول الشريط الحدودي داعمة للميليشيات اللبنانية الموالية لها، وبالفعل انسحب الإسرائيليون من جانب واحد، ودون عمليات اشتباكات مهمة مع اللبنانيين، لكن سرعان ما قفزت الآلة الإعلامية الإيرانية ومواليها بتجيير الانسحاب على أنه انتصار لحزب الله، وبعد ست سنوات حدثت مسرحية حرب 2006م والتي جيرها حزب الله بالكامل لمصلحته وللإيرانيين من ورائه رغم مشاركة أطراف أخرى في العمليات العسكرية، وكالعادة رافق المسألة ضخ إعلامي هائل يصور ما حصل على أنه كسر لأسطورة الجيش الإسرائيلي عجزت عنه الجيوش العربية في السابق، بينما لو قارنا ما حدث في جنوب لبنان لتضاءل أمام ما حصل من مقاومة في غزة2006، 2008، 2012، 2014، 2018م هذا إذا تماشينا مع مقولة الانتصار. بينما نتج عن حرب 2006م قرار مجلس الأمن رقم "1701" الذي حقق لإسرائيل أخيراً منطقة أمنية عازلة تمتد عشرات الكيلومترات في العمق اللبناني إلى نهر الليطاني، وهو ما كانت تسعى إليه إسرائيل منذ عملية الليطاني في 1978م، وحققته واقعاً بعد ما يقارب ثلاثين عاماً، في عهد (مقاومة حزب الله)، وبدلاً من الكلفة السياسية والمالية والعسكرية للإسرائيليين في التأمين المباشر للمنطقة ومن خلال أتباعها اللبنانيين، أصبحت لديها بموجب القرار الأممي في 2006م "منطقة أمن" بدون كلفة تُذكر، وللتذكير، فقد أعلن حزب الله موافقته على القرار حتى قبل الإسرائيليين أنفسهم.

 

مازال كثير من العرب مبهورين بحزب الله وواقعين تحت تأثير دعايته، والدعاية الإيرانية، رغم أن مقارنات بسيطة للوقائع تظهر حالة التخدير، فالحزب منذ 6002، أي ما يقارب 21 سنة -للعام 8102- تكاد لم تحصل بينه وبين الإسرائيليين ولا حتى مناوشات بسيطة. وباسترجاع ما قبل تدخل حزب الله في الصراع مع إسرائيل يمكن أن نرى فارق الصدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر الأراضي اللبنانية، وبين الأخيرين وبين حزب الله.

 

مثل الحزب كامتداد طبيعي للنشاط الشيعي الفارسي أداة في خلخلة الصف العربي الإسلامي، كما يتبين من دور حزب الله حتى في صراعه لسنوات مع حركة أمل، ثم دوره المباشر في الصراع السوري، والمتواري في اليمن، وبالتالي يمكن من باب الإنصاف موازنة تأثير حزب الله منذ نشأته في النيل من إسرائيل، بمقابل ما ناله من العرب.

 

سلسلة حلقات تنشرها وكالة 2 ديسمبر من ملف بعنوان (السرطان الفارسي) – الحلقة الخامسة عشر..

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية