سلسلة حلقات تنشرها  وكالة 2 ديسمبر، من ملف بعنوان (خرافة الولاية)، وفيما يلي الحلقة الخامسة..

 

إذن، ومرة اخرى، يتأكد أن الاختيار والتفضيل قائم على أساس من علم الله، وأنهما وقعا على بني إسرائيل استحقاقا لاحقا. لكن الإشكالية باقية في الجيل الاسرائيلي الأول، أي توارث الاصطفاء على أساس القرابة العضوية في حالات إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وإخوته عند من قال إن إخوة يوسف أنبياء ، ثم ظهورها في نسلهم، ويمكن معالجة ذلك في معنيي الوراثة ، والذرية الواردين في القرآن:

 

الوراثة: يقول تعالي "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد" النمل 16، في الآية، ومن واقع السياق القرآني والتاريخي أن الوراثة المقصودة هي الملك، ووراثة الابن لملك أبيه هو السائد في أغلب فترات التاريخ. أما النبوة فيوحي السياق القرآني أن سليمان نال اصطفاء النبوة قبل موت أبيه داوود، يقول تعالى "فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا" الأنبياء 79.

 

الذرية: يقول تعالى" وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ" الزخرف 28، ويقول " وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " الأنعام 84. ويقول "أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا " مريم 58، ويقول" وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" الأنعام 87، ويقول" وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ" العنكبوت 27.

 

الآيات السابقة تشير إلى الوراثة أو الانتقال العضوي للاصطفاء والفضل كما يظهر من عباراتها. لكن يمكن مناقشة المسألة من عدة جوانب:

 

1الوراثة ليست متصلة فإذا أخذنا سلسلة وارثي النبوة ممن ذكرهم القرآن نجد أنها متصلة في خمسة أنبياء فقط من بين خمسة وعشرين نبياً ذكرهم القرآن الكريم، فيبدو أن الوراثة كانت في إسماعيل، إسحاق ويعقوب (إسرائيل) ويوسف كسلسلة قرابية متتابعة، وسليمان. بالنسبة للأخير تم الإيضاح آنفا أن نبوة سليمان كانت في عهد أبيه وما ورثه بعد مماته هو الملك، وكذلك الأمر بالنسبة ليوسف فقد صار نبياً في عهد أبيه وبعيداً عنه، وإسحاق أيضاً، يقول تعالى" وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ" الصافات 112، فكانت نبوته مرافقة بشارة مولده. ومن السياق القرآني كذلك يبدو أن نبوة إسماعيل كانت في حياة إبراهيم، يقول تعالى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" البقرة 125.

 

إضافة لذلك من الثابت انقطاع النبوة في أغلب أعمدة ذرية إبراهيم عليه السلام، ليس كما يبين القرآن فحسب بل وفي الكتاب المقدس لليهود أنفسهم، وبالتالي فليست القرابة هي الأصل في امتداد الاصطفاء.

 

2من أهم خصائص الأنبياء من بني إسرائيل بل وقبلهم أبو الأنبياء إبراهيم، أنهم بعد وصولهم منطقة الاصطفاء، ووقوعهم تحت متوالية الاصطفاء نالوا فيما نالوا من نتائج الرضا الإلهي استجابة الدعوة التي تضمنت امتداد الاصطفاء لذوي قرابات عضوية وبخاصة بالنسبة لإبراهيم عليه السلام الجد الأول لبني إسرائيل، فكان كثير الدعاء لذريته يقول تعالى على لسانه "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ " إبراهيم 40، ويقول "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ" إبراهيم 37، ويقول "رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ" البقرة 128،  ويقول تعالى "قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي" البقرة 124، ويقول على لسان امرأة عمران "وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" آل عمران 36.

 

ويقول على لسان زكريا "هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ" آل عمران 38، ويقول " فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا" مريم 5، 6، ويقول في شأن هارون "وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي" طه 29- 32.

 

ومن ثم فقد كان الاصطفاء للقرابات العضوية ناجما عن دعوات من نالوا فعلا

 

الاصطفاء سابقاً، فهو تالياً، ناجم عن الدعوة وليس مجرد القرابة، ودعوة إبراهيم تحديداً تفسر سريان الاصطفاء على عديد من الأشخاص ذوي القرابة الجينية منه، مع التأكيد مجدداً أن تلك الدعوات لا تنافي بعض قواعد الاصطفاء المشار إليها سابقاً اعتماداً على نصوص قرآنية، وهو ما سيتم التأكيد عليه أكثر لاحقاً.

 

حيال ذلك لم يسجل القرآن الكريم دعوات مماثلة متصلة بالقرابات العضوية لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

 

قد يحتج قائل بأن الله بين وراثة ذرية نوح للنبوة رغم أنه لم يطلب سريان الاصطفاء على ذريته كما طلب إبراهيم حيث يقول تعالى "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ" الحديد 26، والجواب أن هذا لا يغير في الأمر شيئا باعتبار أن نوح هو الأب الثاني للبشرية وإبراهيم من نسله، يقول تعالى "وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ" الصافات 77، إلى جانب أن الآية المحتج بها تماثل قوله تعالى " أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ"، ومعلوم أن ذرية إسرائيل هي من ذرية إبراهيم وذرية الأخير  من ذرية آدم، كما أن ذرية إبراهيم من ذرية نوح في الآية المحتج بها

 

 

الحلقة الرابعة من ملف تنشره وكالة 2 ديسمبر
لقراءة الحلقة الأولى..  "الأسطورة السخيفة"
لقراءة الحلقة الثانية.. "معايير الأفضلية القرآنية"
لقراءة الحلقة الثالثة..  "ألفاظ التفضيل في القرآن"
لقراءة الحلقة الرابعة.. "تفضيل بني إسرائيل"

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية