في المنظور العام تمثل الأسرة والأقارب أبرز العوامل المؤثرة في حياة السياسيين والقادة الوطنيين، وغالبًا ما تكون أكثر العوامل الحساسة للضغط الشخصي والأسري، في السياق السياسي والأمني والعسكري، كممارسات يهدفون بواسطتها لخلق خوف شخصي وأسري، يحققِ لهم أهدافهم ومخططاتهم، مستغلين بذلك مشاعر التضامن والانتماء بين أفراد الأسرة الواحدة لإنتاج توتر في العلاقة بين الشخص المستهدف ومحيطه الاجتماعي، واستجابة فعالة مع التكرار والمحاولات الدائمة، على اعتبار أن هذا جزء مهم من دوافع القرار لدى الأفراد، مما يجعلهم عرضة للابتزاز والاستغلال بهدف التحكم المباشر بهم، حتى التمكن من التحكم بقراراتهم وممارساتهم، هذا ما مارسته جماعة الحوثيين تجاه الكثير من السياسيين اليمنيبن منذ انقلابها السلطوي في اليمن، وهي ممارسات وضيعة غايتها سياسية، ولقد نجحت في تحييد الكثير منهم بواسطتها، لكنها انصدمت بجدار عظيم من الإرادة الوطنية والتضحية الجسيمة في قلب قائد سياسي وعسكري مختلف جدًا فضل أفراده على أولاده
 
الحوثيون، ومنذ أكثر من خمس سنوات، يمارسون أسلوبهم هذا تجاه العميد طارق صالح، منذ اعتقالهم لشقيقه محمد محمد صالح، ونجله عفاش طارق مع أحداث انتفاضة الثاني من ديسمبر 2017، لكنهم وبعد مئات المحاولات والتهديدات والابتزازات، يجدون أنفسهم مرغمين على إطلاقهم دون أن يحققا بممارساتهم ما كانوا يطمحون له من طارق صالح.
 
 وفي الحقيقة لم تكن أفعالهم تلك هينة وعادية، بقدر ما كانت إرادة الصد تجاههم كبيرة ومتينة؛ خمس سنوات وأكثر وهم يحاولون تحييد طارق صالح من الفعل العسكري والسياسي والوطني تجاه مشروعهم، بمغريات الإفراج عن أقاربه وإطلاق سراحهم، ولكنهم يفشلون دائمًا، ثم يعودون لمحاولة ذلك مجددًا عبر تهديداتهم بتصفية الأسيرين وقتلهم، ولكنهم لا يحصلون على أيّ نتيجة.. هل تعلمون لماذا؟ لأن الرجل قد جعل الوطن والتحرر من مشروعهم أقدس أهدافه وغايته، وأعظمها وأوحدها وأخلدها في نفسه وحياته، لقد تشبع طارق وتجاوز المخاوف الشخصية، خصوصًا بعد أن صار الوطن هو المقابل الأهم، لهذا لم يهتم ولم يبالِ، ولم يفكر يومًا في التنازل أبدًا أمام عواطفه وأقربائه، ليقولها ذات يوم في أحد اجتماعاته بوجاهات الوازعية: لقد وهبنا حياتنا وأنفسنا لهذا الوطن، لإنقاذه من مشروع الحوثيين الإمامي المتخلف، وهبنا كل شيء لدينا، بقناعة مطلقة وإرادة خالصة، ولن ننحني أمام تهديداتهم بتصفية أقاربنا المعتقلين في سجونهم، لن ننحني ولن نتماهى مع مساوماتهم لنا مقابل حياة ابني وشقيقي، لقد قدمت ابني فداءً لغايتي في تحرير الوطن، ولأجلها سأقدم بقية أبنائي وأسرتي، ليعلم الجميع هذا؛ فهدفنا أكبر وأعظم وأبقى لليمنيين جميعًا. 
 
هذه الإرادة الحديدية نادرة واستثنائية في نماذج القادة والسياسيين، نماذج لا تتكرر كثيرًا ولا تظهر دائمًا، نماذج بمواصفات القيادات الوطنية والأفعال المتقدمة والمتجاوزة للخصوص وألاعيبهم الوضيعة، وفي المقابل مارس الحوثيون كافة أشكال التهديد والابتزاز عبر أبواقهم وتلميحاتهم ووسطائهم، بدءًا بتهديداتهم المستمرة بالقيام بتصفية نجله وشقيقه وقتلهم، مرورًا بتعذيبهم وتدهور حالاتهم الصحية، وانتهاءً بمنعهم من التواصل بأهلهم وأقاربهم، لسنوات طويلة وهم يمارسون الضغط والتهديد والابتزاز تجاه طارق، لكنهم لم يصلوا معه لأي نتيجة تذكر. مع العلم بأن شقيقه محمد اعتُقل وهو مصاب إبان الثاني من ديسمبر، مما جعل حالته تسوء أكثر في السجن، ومع السنوات، حاولوا استغلال إصابته وصحته للضغط على طارق صالح، لكنهم خابوا في كل مرة.. 
 
هذا الصبر البطولي، في حياة طارق صالح، جدير بالتفكير والتعلم، عن رجل لم يرضخ لسنوات طويلة، لم يتنازل قطعًا أمام الضغط العاطفي والشخصي، قائد ضحى بنجله وفلذة كبده وهو على قيد الحياة، وضحى بشقيقه ولحمه ودمه وهو في أسوأ مراحل المرض والإصابة، وأشار في أحاديث متكررة إلى استعداده للتضحية بحياته وحياة بقية أفرد أسرته، الأمر ليس شخصيًا، بقدر ما هو موقف وطني، موقف خالد ومشرف، موقف سيتذكره التاريخ في أنصع صفحاته، عن أعظم الرجال الفدائيين والصادقين والمنقذين. وهذه حقيقة؛ لقد صار الرجل في خيالات اليمنيين آخر المنقذين، جميعهم يتذكرونه مع خيباتهم السياسية ومستجداتهم القادمة، يتذكرونه حينما يتحول واقعهم الوطني ليأس عام، وخذلان متكرر من بقية الأطراف، يتذكرونه ويطمئنون لظهوره، وفي قلوبهم ينطقون ويقولون: ما زال لدينا مشروع البقاء، مشروع المستقبل، لن يتركنا لهؤلاء، ولن يترك وطننا الذي نحلم به طيلة حياتنا، سيعود…

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية