‏بينما تُسقط إسرائيل منشورات تحذيرية للمواطنين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية لتجنب بعض المواقع، يلتزم الحوثي الصمت ولا يصدر عنه سوى تحذير واحد للمواطنين "لا تُصوّروا"؛ فخوفه من التصوير ليس عبثاً فهو يخشى من الحقيقة، وأن تكشفه كاميرات اليمنيين كما حدث حين قصف أحياء في صنعاء والمحويت، الشهر الماضي، واتهم أمريكا بالهجوم قبل أن تفضحه كاميرات المواطنين الذين وثّقوا جريمته. هؤلاء المواطنين الذين تم الزج بهم في السجون واتهمهم الحوثي بالعمالة لمجرد أنهم وثقوا صور صواريخه وهي تقتل أحباءهم.

الحوثي لا يرى في اليمنيين شعباً، بل دروعاً بشرية وأكياس دم تُستثمر في بورصة الدعاية والموت. ما يحتاجه الحوثي فقط هو مشهد دموي جديد يصنعه أو يساهم في خلقه لتسويق روايته الكاذبة.

طوال ثماني سنوات من اختطافنا في سجونه استخدمونا كدروع بشرية، وحين قُصفت بعض السجون أطلق الحوثيون الرصاص على من حاول النجاة من المختطفين وقتلوهم. وها هو يكرر المشهد ذاته مع السجناء في صعدة والجوف الشهر الماضي.

وكما فعل في السجون، فعل مع الشعب كله. في جائحتي الكوليرا وكورونا، نقل المرض إلينا عمداً تركنا بلا دواء ولا تهوية ليتحول الألم إلى أداة تعذيب والمرض والموت إلى مادة دعائية. ولم يقتصر الأمر على المختطفين فقط، بل فعله مع المدنيين أيضاً؛ فالحوثي لا يكتفي بالقتل، بل يتحدث بجثث ضحاياه.

ولم تكن الكوارث الطبيعية خارج هذا النهج الإجرامي. في كارثة السيول، العام الماضي، تجاهل الحوثي تحذيرات الأرصاد، لم يُخلِ المناطق وترك الأبرياء يواجهون الموت والانهيارات، ثم خرج بعد الكارثة يتاجر بالجثث لا لإنقاذ الأرواح، بل لتغذية آلة الكذب وحشد الأموال لحربه وقتل من تبقى من اليمنيين الذين فروا من جحيمه.

خلال عقد، لم يشيِّد الحوثي مدرسة ولا مستشفى، بل صنع الموت وشيّد المقابر. من كل أسرة قتل نفساً وفي كل بيت أقام مأتماً وفي كل قرية في مناطق سيطرته حفر مقبرة وملأها بجثث سكانها وأحاطها بسور وزرع حولها الأشجار وسمّاها "روضة"؛ لأن الموت هو منجزه الأهم. في قاموسه لا وجود لمواطن ما لم يكن من نفس السُّلالة، بل ضحية مؤجلة وجثة تُستخدم كوقود للدعاية والتضليل، والوطن عنده مسرح للدم وهو الوكيل الحصري للموت.

في عام 2015، حينما كنت مختطفاً في سجن البحث الجنائي بصنعاء- وهو أحد سبعة سجون نُقلت بينها- وزع علينا الحوثيون كتاباً للإرهابي عبدالملك الحوثي يتحدث عن "استثمار الموت". وهذا بالضبط ما يفعله اليوم ويمارسه حرفياً: الموت أداة والخوف وسيلة والدم سلعة.

•    من صفحة الكاتب على منصة إكس

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية