تمثل تجربة اليمنيين تحت سيطرة مليشيات الحوثي نموذجاً شنيعاً للاستبداد الشمولي، حيث لا يقتصر مشروعها على الهيمنة العسكرية فحسب، بل يتعداه إلى فرض سيطرة أيديولوجية كاملة تخضع كل مفاصل الحياة في المناطق المحتلة، وتسعى إلى محو أي أثر للتنوع أو المعارضة.. فكل فعل خارج نطاقها يُصنف على أنه خيانة، وكل مطالبة بالحقوق يُنظر إليها باعتبارها تهديداً يجب القضاء عليه.

تعتمد هذه المليشيات العنصرية الموالية للنظام الإيراني في ترسيخ سلطتها على أدوات قمع منهجية، فالاختطافات والاختفاء القسري والملاحقات الأمنية ليست سوى وسائل لتحقيق غاية واحدة: إخضاع المجتمع وإلغاء إرادته.. وهكذا، لم يعد المواطن يعيش حياته، بل أصبح مجبراً على الانصياع ضمن إطار الطاعة العمياء، حيث يعتبر أي موقف مستقل تهديداً وجودياً يعاقب عليه بأقسى الوسائل.

في هذا السياق، يحظر أي نشاط وطني أو سياسي مستقل، وتحجر الحريات، وتلغى التعددية، فلا مساحة إلا لصوت واحد هو صوت السلطة القائمة -سلطة الكهنوت الحوثي الواقعية- ويستهدف خطاب الترهيب والتخوين الذي تتبناه المليشيات كل أطياف المجتمع دون استثناء: المعارضين والمحايدين وحتى الصامتين.. وما إلغاء فعالية احتفاء حزب المؤتمر الشعبي بذكرى تأسيسه، وجريمة اختطاف المليشيا لأمينه العام وقيادات أخرى بل ومحاصرة منزل رئيسه، سوى مثال قبيح على ما بلغت إليه من زُبي وازدواجية..! فبينما تحظر الفعاليات الوطنية والمشروعة، تقام الاحتفالات الطائفية على مدار العام، وتحول موارد اليمن المنهوبة وما تسلبه وتفرضه على اليمنيين من أموال لتمويل مشاريعها التوسعية.

في مناطق سيطرة  مليشيات الكهنوت الحوثي، لم تعد الحقوق والكرامات تمنح بموجب الدستور أو القانون -الذي أُلغي عملياً- بل أصبحت رهناً بمعيار الولاء الأعمى.. وأي مخالفة لهذا المبدأ تضع الأفراد والجماعات والأحزاب والقبائل أمام خيارين حادين: إما الخضوع الكامل، أو مواجهة الموت.

هذه الممارسات هي جزء من استراتيجية ممنهجة وطويلة الأمد تهدف إلى إضعاف النسيج الوطني والهوية اليمنية العربية والإسلامية الصحيحة، واحتكار السلطة، وإعادة تشكيل الدولة والمجتمع وفق رؤية طائفية مستوردة، بهدف تحويل اليمن إلى سجن مغلق بحكم مشروعها السياسي في باطنه والديني في ظاهرة.

والواقع أن المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي تحولت اليوم إلى معتقل كبير، لكن تحت رماد الخوف والقهر يشتعل بركان الغضب الشعبي.. فاليمن ليس مزرعة لأحد ورثها عن أجداده، وكرامة أبنائه وقود ثورة لا تنطفئ، وحريتهم قدسية لا تُمس.. النصر حليف الشعب لا محالة، وإن طال الانتظار، فهو قريب بمشيئة القادر وعزم أحرار وأبطال القادسية الثالثة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية