لن يُبقي الحوثي المؤتمر في صنعاء!
وجه آخر للتنكيل، عدو جديد للاجتثاث، وعداء خفي لازم أن ينتهي، لم يعد هناك متسع للبقاء، فالفصيل المتفرد بواحدية التسلط لن يتجرع مرارة تزييف حقيقته كوكيل حصري للحكم بتلفيق أكذوبة قبوله بالشراكة السياسية، والسماح في بقاء طيف أخر يشاطره الضوء والموقف، فقد نفذ صبره وعزم على نفض هذا الرداء غير المناسب له، ليشرع في تأكيد هويته السلالية القمعية التي لا تؤمن إلا به، وعليه إزاحة أي وهم آخر ما زال بجانبه.
هذه هي الصورة الشخصية للحوثي الذي غدا يؤرقه بقاء المؤتمر الشعبي العام في مناطق سيطرته لا كشريك ولا كحليف ولا كتابع، فما بالك إذا كان يعتبره من الأساس خصمًا تأخر دور تصفيته، وقد حانت لحظته مهما كان ملتزمًا بتعليماته وخاضعًا لسلطته، فبقاء هذا الكيان على طاولة جبروته _ بأية صورة وبأي شكل _ لم يعد مستساغًا ويثير المخاوف، ويضاعف الشكوك والهواجس حوله؛ لأسباب جلية يقدر مخاطرها الحوثي ويخشى أن تصحو من سباتها لتنسج خيوط مؤامرة عليه في أية لحظة، وإن كانت مستبعدة في الواقع.
فبعد استشهاد زعيم المؤتمر تعرض الحزب في صنعاء وأخواتها لما يشبه الإبادة، نهب لممتلكاته، إغلاق لمقراته، حجر لأنشطته، قمع لقيادته، وإذلال لرموزه، وإنهاء لحضوره، واقتلاع لوجوده، والسعي لمحو ذكره وهيبته وتاريخه من الذهنية العامة، وإحلال مشروع السلالة كأفق وحيد، ولذا ما تبقى من أطلال المؤتمر كشخصيات اعتبارية كأمينه العام وبعض الأسماء الكبيرة ما زالت تقض مضجعه، وتبدو كشواهد على أن المؤتمر لم يزل حيًا، وما زال قلبه ينبض ولو بصمت، لكن الحوثي يرغب في إخماد تلك النبضات نهائيًا حتى تهدأ كوابيسه وتقر سريرته.
ومع قرب الذكرى 43 لتأسيس المؤتمر سمع الحوثي همسات مؤتمرية تلوك عن نواياها إحياء الحدث، فيثار غضبه ويستفحل في ردة فعله، ليأمر ببدء الفصل الأخير من مأساة الحزب هناك، فيختطف أمين الحزب في صنعاء وبعض القيادات، ويطوق مساكن رئيس الحزب وآخرين بقوات أمنية تتأهب لاقتحامها وتصفيتها دون تردد.
لم يعد الحوثي يكترث ببقاء قيادات المؤتمر في صنعاء قدر اكتراثه بخشية ارتباطها مع أجنحة المؤتمر في الخارج أو في الساحل، أو أن هذه البقاء ينازعه السيادة المطلقة والتحكم الكلي بمصير اليمن، وقدرتها على الاتصال مع المجتمع والتأثير عليه لم تنته كليًا، مهما كان الالتزام حرفيًا بكل أوامره وطاعته العمياء في كل موقف، إلا أنها طاعة مرفوضة ربما ولدت بدافع الخوف لا الولاء، فوجودها وعدمها سواء في نظر سيد الكهف.
لن يعجز الحوثي في تقويض المؤتمر تمامًا، والزج بكل قياداته وأنصاره في المعتقلات، وتشويه كل ما يمت للحزب بصلة ماديًا ومعنويًا، وإظهاره كوكر للخيانة والعمالة والارتزاق حتى يجعل من تنكيله به عبرة لشعب مقهور استسلم لضعفه ويأس من قدرته على رفضه فكرة ووجودًا، وربما يبدو بقاء المؤتمر رغم وهنه كآخر عدو محتمل في نظر الكهنوت، يجب اقتلاع جذوره ومحو تاريخه وطمس آثاره، وإجبار الشعب على نبذه وتناسي ملامحه حتى يفنى من حاضرهم ومستقبلهم.