أعادت ثورة الثاني من ديسمبر 2017 تشكيل الوعي الوطني وفتحت الباب أمام تحولات سياسية وعسكرية لا تزال مكاسبها تتراكم حتى اليوم في معركة الخلاص الوطني من المشروع الإيراني.

وبين القراءات المتعددة لرؤى مسؤولين وأكاديميين وباحثين، يبرز حضور ديسمبر كعلامة فارقة في الذاكرة اليمنية ومحطة للمقاومة في مواجهة المشروع السلالي، إلى جانب الدور المحوري للمقاومة الوطنية بقيادة الفريق أول ركن طارق صالح.


تجلٍّ عميق لرفض مشروع الحوثي

قال رئيس مركز البلاد للدراسات والإعلام، حسين الصوفي؛ إن ثورة الثاني من ديسمبر جاءت كامتداد لحالة الرفض الشعبي العميق للمليشيا الحوثية في معظم المحافظات المنكوبة بسيطرتها.

ويشير إلى أن اليمنيين، ومنذ انقلاب 21 سبتمبر 2014، ظلوا يعبّرون عن رفضهم لهذه المليشيا في المناطق المنكوبة بسيطرتها بطرق متعددة، أبرزها مقاطعة خطباء الحوثيين في المساجد أو الخروج الجماعي احتجاجًا عليهم، وصولًا إلى التمسك المتصاعد بإحياء أعياد ثورة 26 سبتمبر عامًا بعد آخر، الذي بلغ هذا العام مستوى الاشتباك وتقديم التضحيات.

ويرى الصوفي أن اليمنيين يرسلون بين فترة وأخرى رسائل واضحة عن رفضهم للانقلاب، بدءًا من انتفاضة الجياع عام 2017، مرورًا بثورة 2 ديسمبر، ووصولًا إلى مظاهر الرفض الواسعة التي تجلت في التشييعات الشعبية الحاشدة لجثمان البطل المكحل في إب، والرمزية الكبيرة في تشييع القاضي العمراني والشيخين صادق الأحمر وأمين جمعان.

وأضاف، أن هذه التعبيرات تشمل كذلك احتفالات التخرج والأعراس بالنشيد الوطني وأغاني سبتمبر، بوصفها تعبيرًا عن التمسك بالهوية اليمنية.

وفي تلخيصه لدروس ديسمبر، يوضح الصوفي أن الثورة كشفت حاجة اليمنيين لكل القوى السياسية والفكرية والقبَلية والمجتمعية باعتبارها جميعًا مستهدفة من المشروع السلالي، وأن وحدة الصف الوطني ضرورة مصيرية في مواجهة الاحتلال الإيراني وأذرعه.

ويؤكد أن ما حققته المقاومة الوطنية وتضحيات الجيش والمقاومات الشعبية في عدن وتعز وصعدة ومأرب وكل المحافظات، يمثل نموذجًا نضاليًا متكاملًا.


ديسمبر شرارة المواجهة المفتوحة

يعتبر الكاتب والمحلل السياسي الدكتور فارس البيل ثورة الثاني من ديسمبر الشرارة الأولى لمواجهة مفتوحة مع مليشيا الحوثي، بعدما وضعت خيار المقاومة الشعبية بوضوح أمام اليمنيين. ويرى أنها- وإن لم تكتمل- فتحت الباب لخيار نضالي يدرك اليمنيون اليوم أنه السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار، بعد أن ثبت أن كل الحلول السياسية مع الحوثيين كانت موهومة وغير قادرة على إنتاج تسوية حقيقية.

وينطلق البيل من هذا التحول ليؤكد أن ديسمبر أثبتت أن تحرك الداخل هو الطريق الوحيد لإزاحة الحوثيين، وأن أي حلول تأتي من الخارج لن تكون إلا مؤقتة.

ويشير إلى أن هذه اللحظة شكلت انطلاقة نحو إدراك جماعي بأن الخلاص من الذل والقهر الذي تفرضه المليشيا لن يتحقق إلا بانتفاضة شعبية واسعة، كونها التجربة الوحيدة القادرة على تغيير موازين القوة.

وشدد على أن استعادة صنعاء يجب أن تكون الهدف الأساس، مع تجاوز كل خلافات الماضي وعدم رهن المشروع الجمهوري لأي أجندات صغيرة داخلية أو خارجية.

ودعا إلى توحيد اليمنيين للانتصار لكرامتهم مما فعلته المليشيا الحوثية، معتبرًا أن الوقت قد حان لتجاوز العقبات والانطلاق نحو التحرير بخطاب وحدوي واتفاق شامل مع كل الأطراف للتحرك نحو صنعاء.

ديسمبر يوم الأمل والدعوة لاستعادة الجمهورية

تقول حياة جعدان، مديرة مركز تهامة للدراسات والتنمية؛ إن ثورة الثاني من ديسمبر هي يوم الأمل والدعوة الصريحة لاستعادة الدولة والجمهورية، مشيرة إلى أنها اللحظة التي دعا فيها الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح اليمنيين للدفاع عن الحرية والوحدة والكرامة في مواجهة المشروع الحوثي الطائفي.

وأضافت أن الشعب، بعد ثلاث سنوات من المعاناة تحت احتلال المليشيا، خرج في ديسمبر تعبيرًا عن رفضه للمشروع الحوثي الجاثم على وطنه.

وفي ختام حديثها، دعت جعدان إلى تنفيذ وصايا الزعيم صالح والإسراع في استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب، مؤكدة أن تحرير صنعاء وعودتها إلى حضن الجمهورية هو الطريق الوحيد لاستكمال مشروع ديسمبر الوطني.

تكريس الوعي الوطني
يرى مستشار مكتب رئاسة الجمهورية الدكتور ثابت الأحمدي أن ديسمبر محطة وطنية مهمة في سجل النضال اليمني، ولحظة تاريخية فصلت بين ما قبلها وما بعدها، كما جسدت تحولات عميقة في بنية الوعي الشعبي.

وأشار إلى أنها أزالت المنطقة الرمادية في المشهد الداخلي، لتتحول المعادلة إلى خيار واضح، جمهورية أو إمامة، حرية أو عبودية.

ويؤكد الأحمدي أن مبادئ ديسمبر باتت اليوم جزءًا من الوجدان الشعبي، وأن اليمن يشهد صحوة وطنية لم يشهدها منذ ثورة 26 سبتمبر.

ويضيف أن ديسمبر لم تعد ذكرى سياسية بقدر ما أصبحت عقيدة وطنية متجذرة تتسع بين الناس عامًا بعد آخر، رغم محاولات الإمامة طمسها.

وفيما يتعلق بالدور الذي لعبه الفريق طارق صالح بعد ديسمبر، يشير الأحمدي إلى تجسيده شعار "يد تبني ويد تدافع"، عبر مشاريع التنمية والخدمات في المخا وتوسعه في الساحل الغربي. ويؤكد نجاح المقاومة الوطنية عسكريًا وتنمويًا، معتبرًا أن إنجازاتها المتواصلة جعلت من ديسمبر مشروعًا وطنيًا حاضرًا ومتناميًا.


ديسمبر أربكت المشروع السلالي وأعادت تشكيل القوى

أستاذ الإعلام في جامعة إقليم سبأ الدكتور يحيى الأحمدي يقول؛ إن ديسمبر أربكت المشروع السلالي وفتحت الباب أمام خيارات جديدة في مسار استعادة الدولة.

ويشير إلى أن حضور مبادئ ديسمبر في الوعي الشعبي قائم، لافتًا إلى أن وجود الفريق طارق صالح الآن في المشهد الوطني، كان أحد أبرز مكتسبات ديسمبر سياسيًا وعسكريًا، من خلال تأسيس المقاومة الوطنية وبناء قوة فاعلة حققت إنجازات معتبرة.

تتلاقى آراء الصوفي والبيل وجعدان وثابت الأحمدي ويحيى الأحمدي عند حقيقة واحدة هي أن ثورة 2 ديسمبر كانت لحظة فارقة في كشف ورفض المشروع السلالي، وبداية مسار وطني جديد يتطلب وحدة الصف الجمهوري وتحويل الزخم الشعبي والعسكري إلى مشروع سياسي جامع.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية