في مشهد وطني بالغ الدلالة تحوّلت جنازات عدد من الشخصيات الوطنية في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي إلى استفتاءات صريحة رافضة للمشروع الإيراني في اليمن.

وتعكس هذه المشاهد من الوداع الأخير لرموز الجمهورية آخرها الشيخ زيد أبو علي وقبله الشيخ ناجي جمعان، حجم الرفض المجتمعي الكبير للمشروع الطائفي الإيراني والممارسات الحوثية الدامية بحق اليمنيين.

وتحوّلت هذه المشاهد إلى أحداث مؤثرة في الوجدان الوطني، حيث فشل المشروع الحوثي في إعادة تشكيل الوعي بمناطق شمال البلاد وتكييفه مع مشروعه العنصري رغم مرور 10 سنوات من القمع والاضطهاد والتعبئة.

- إرادة جماهيرية رافضة

يقول الصحفي والمحلل السياسي عبدالواسع الفاتكي لـ"وكالة 2 ديسمبر"، تحوّلت جنازات عدد من الشخصيات الجمهورية في مناطق سيطرة المليشيا إلى تظاهرات شعبية عارمة، تعكس إرادة جماهيرية رافضة لمشروع المليشيا، ومتمسكة بالثوابت الوطنية والجمهورية اليمنية، على نحو يمثل شكلًا راقيًا من أشكال المقاومة الشعبية السلمية.

ويضيف الفاتكي أن هذه الجنازات لم تعُد مجرد مناسبات لوداع رموز راحلة، بل تحوّلت إلى أحداث سياسية بامتياز، تنبض بالرسائل الصريحة تجاه المليشيا الحوثية، وتكشف حجم الفجوة بينها وبين الشارع اليمني، وتؤكد فشل مشروعها في إعادة تشكيل وعي المجتمع اليمني على أساساتها السلالية والطائفية.

فرغم الإجراءات القمعية التي تفرضها المليشيا- وفقًا للفاتكي- من مضايقات أمنية، وحصار للمشيعين، ومنع للتغطيات الإعلامية، ومحاولات لطمس الطابع الوطني للجنازات، إلّا أن الحشود الجماهيرية الواسعة التي شاركت في تشييع تلك الشخصيات، والهتافات والشعارات التي رددت تمجيدًا للجمهورية، ووفاء لليمن الواحد، جاءت كاستفتاء شعبي رافض لحكم المليشيا.

لقد جسدت تلك الجنازات احتفاء شعبيًا ليس فقط بالرموز الراحلين، وإنما بما يمثلونه من مواقف ومبادئ وطنية، ظلوا متمسكين بها حتى رحيلهم، دون أن يخضعوا أو يساوموا أو يتحولوا لخدمة المشروع الحوثي، وهو ما جعلهم محل إجماع شعبي، وسببًا لقلق المليشيا التي غالبًا ما تستنفر أجهزتها الأمنية خلال مراسم تشييعهم خشية تحوّلها إلى مظاهرات شعبية تخرج عن سيطرتها.

- الرفض للمشروع الحوثي الطائفي

تأتي هذه المظاهر لتؤكد أن سيطرة مليشيا الحوثي الجغرافية لا تعني قبولًا شعبيًا بمشروعها الطائفي، وأن الشعب اليمني- في عمقه ووجدانه- لا يزال وفيًا لقيم الجمهورية، ومتمسكًا بثوابته الوطنية، ورافضًا لكل محاولات سلخه عن هويته التاريخية.

وهذه الرسائل الشعبية الصادقة، التي تتجلى في كل وداع لرمز جمهوري وطني، تؤكد أن معركة الوعي ما تزال قائمة، وأن اليمنيين يقاومون بصبر واستبسال محاولات تدجينهم، وسيظلون على العهد حتى استعادة دولتهم، وعودة جمهوريتهم، وانتصار مشروع اليمن الكبير العادل ودحر المشروع الإيراني.

وأكد الخبير العسكري محمد الكميم، أن ما جرى في جنازتي الشيخ ناجي جمعان والشيخ زيد أبو علي لم يكن مجرد تشييعين تقليديين، بل كانا بمثابة استفتاءين شعبيين جمهوريين عبّرا عن الارتباط العميق بين الشعب وقياداته الوطنية الصادقة.

وأشار الكميم إلى أن الحشود خرجت بعفوية من مختلف القبائل والمناطق، بمئات الآلاف، دون دعوات رسمية أو وسائل ترهيب أو تحشيد، لتثبت أن جمهور اليمن ما زال حيًّا، ووفاءه متجذرٌ في الأرض، وأن الشعب يعرف من يكرّمه، ويعرف من خان الأرض والجمهورية.

- كشف هشاشة المشروع الحوثي

وأكد أن "مشاهد التشييع الصادقة، التي ملأت الميادين بوجوه مخلصة وهتافات وفاء، كشفت هشاشة المشروع الحوثي، الذي لا يقدر على حشد أحد إلا بالإجبار والإحراج والضغوط وأساليب الترغيب والترهيب والمال".

من جهته، يقول الناشط المجتمعي والإعلامي طاهر بشير، أن تعبير الناس عن رفضهم للحوثي من خلال وداع شخصيات جمهورية عبر الحضور الشعبي الكبير في مختلف المناطق والمدن القابعة تحت سيطرة المليشيا الحوثية، يُظهر ارتباط المواطنين بقيم الجمهورية وبأنها باقية لم تستطع المليشيا محوها من ذاكرة الشعب اليمني رغم أساليبه في فرض مشروعه الطائفي.

ويضيف بشير لـ"2 ديسمبر"، أن "ما ظهر في وداع الشيخ جمعان والشيخ زيد أبو علي دليل تام على رفض المجتمع اليمني للمشروع الطائفي الإيراني بأسلوب شعبي جمهوري بحت، لا يمت للمشروع الإيراني بِصلة رافضين كل ممارسات المليشيا القمعية، ويُعتبر مُقاومة للمشروع الطائفي للمليشيا حتى وإن لم يُعلن ظاهريًا".

واعتبر بشير أن هذه المظاهر بوداع الشخصيات والحضور الشعبي الكثيف بجنازاتهم يُعيد الوعي الشعبي لما كان قبل ظهور آفة المليشيا الحوثية وانقلابها على مؤسسات الدولة، وإظهار الترابط الشعبي على مبادئهم التي تعمقت في ظل ثورة سبتمبر ولم تتلوث بطائفية ونهج المليشيا التي جاءت لغرسها في أوساط المجتمع اليمني.

وتسقط تلك المشاهد الجنائزية كل الأكاذيب والدعايات التي تُصدرها مليشيا الحوثي للعالم بأنه يتحدث باسم شعب ينتهج مشروعهُ، وبأنه ممثل لذلك الشعب والمُعتقد، وكما أنه يُسقط الادعاءات الحوثية بالسيطرة على اليمن وبأنه بلا قبول شعبي حقيقي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية